الحياة



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

الحياة

الحياة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ثقافي ابداعي


    الاربعة الكبار(9)

    yaser
    yaser
    Admin


    عدد المساهمات : 106
    تاريخ التسجيل : 22/11/2010

    الاربعة الكبار(9) Empty الاربعة الكبار(9)

    مُساهمة  yaser السبت نوفمبر 27, 2010 1:17 am

    الفصل الخامس عشر


    بدأت أدرك أن بوارو قد تغير بعد الوفاة المأساوية لمونرو . حتى ذلك الحين كانت ثقته بنفسه التي لا تهتز قد قاومت التجربة , لكن الإجهاد الطويل أخذ منه مأخذا فكان يبدو مهموما كئيبا كأنما أعصابه توشك أن تنهار

    في هذه الأيام كان هائجا كأنه قط يتجنب كل نقاش في الأربعة الكبار , لكني كنت أعلم أنه كان نشيطا في المسألة سرا

    كان يزوره كثيرا رجال غرباء , لكنه لم يتعطف علي بأي بيان لهذا النشاط الخفي , و فهمت أنه كان يبني دفاعا جديدا و سلاحا مواجهة بمساعدة هؤلاء الرجال ذوي المظاهر المثيرة للاشمئزاز

    و ذات مرة – مصادفة – رأيت ما هو مدون في دفتر حساباته المصرفي , و كان قد طلب مني أن أتحقق من أمر ما , فعرفت أنه قد دفع مبلغا كبيرا من المال , كبيرا جدا حتى على بوارو الذي يكسب المال عادة بسرعة , دفعه لرجل روسي ما أطول اسمه !

    و مازال يكتم الأمر , كان يكرر دوما قوله : (( إياك ألا تقدر عدوك يا صديقي , تذكر ذلك دائما )) ففهمت أن ذلك كان الشرك الذي يجتهد أن يتجنبه بأي ثمن

    و هكذا سارت الأمور حتى نهاية آذار , و في أحد الأيام قال بوارو كلاما أرعبني :

    - هذا الصباح يا صديقي عليك أن تلبس أفضل ثيابك , سنزور وزير الداخلية
    - حقا ؟ هذا مدهش ! و هل هو الذي استدعاك ؟
    - كلا , بل أنا طلبت مقابلته , لعلك تذكر أنني قد أديت له خدمة و هو متحمس بسببها و سوف ينفعني حماسه , و كما تعرف , رئيس وزراء فرنسا السيد ديسحارديو يزور لندن الآن , و سوف يحضر اجتماعنا الصغير هذا الصباح

    اللورد سيدني مراوثر وزير الداخلية رجل معروف مشهور , في الخمسين من عمره , ذو أسلوب مرح و عيون رمادية لاذعة , استقبلنا بتلك الطريقة المرحة الأنيسة , و كان في البيت رجل طويل نحيف يقف و ظهره إلى الموقد , ذو لحية سوداء ووجه رقيق

    قال كراو ثر :
    - سيد ديساجرديو , هدا هو السيد هيركيول بوارو , لعلك سمعت به

    انحنى الرجل الفرنسي و مد يده يصافحه , و قال بفكاهة :

    - أجل قد سمعت بالسيد بوارو , و من ذا لا يعرفه ؟

    احمر وجه بوارو من البهجة , قال :

    - هدا لطف منك سيدي !

    ثم تقدم رجل من زاوية بجانب خزانة كتب طويلة . . كان ذاك هو السيد إنغليز صديقنا القديم , و صافحه بوارو بشدة . قال كراوثر :

    - و الآن , سيد بوارو , نحن في خدمتك , لقد فهمت أن لديك معلومات في غاية الأهمية تريد إطلاعنا عليها
    - أجل يا سيدي . . . في هذا العالم اليوم منظمة واسعة في الجريمة رؤوسها أربعة أفراد اسمهم الأربعة الكبار , رقم ((1)) رجل صيني اسمه لي شانغ ين , رقم ((2)) المليونير الأمريكي آبي ريلاند , رقم ((3)) امرأة فرنسية , أما رقم ((4)) فلدي من الأسباب ما يدعوني الى الاعتقاد بأنه الممثل الإنكليزي الغامض كلود داريل

    و هؤلاء الأربعة قد اتحدوا لكي ينشروا الفوضى و يقوضوا النظام الاجتماعي القائم في العالم و يستبدلوا به نظاما استبداديا تكون لهم من خلاله السيطرة

    همس الفرنسي :

    - مستحيل أن يتورط ريلاند في شيء كهذا ! الفكرة خيال بالتأكيد

    استمع إلي يا سيدي أسرد عليك بعض أفعالهم

    كان الوصف الذي قدمه بوارو ساحرا , و لقد كنت أعرف كلامه تفصيلا لكنه أثارني من جديد و أنا أسمع وصف مغامرتنا الخطرة !

    نظر السيد ديسجاردريو في صاحبه كراوثر بعد أن أنهى بوارو حديثه , و أجاب كرواثر على النظرة :

    - نعم يا سيد ديسجاردريو يجب علينا أن نقر بوجود الأربعة الكبار , لقد سخرت سكوتلانديارد من لك في البداية , و زعمت الشرطة أن السيد بوارو يبالغ كثيرا , غير أني شخصيا أشعر أن كلامه صحيح , و قد أجبرت الشرطة و سكوتلانديارد على التسليم بأكثر من هده الفرضيات

    بين بوارو لهما عشر نقاط بارزة طلب مني أن لا أعلنها , و تضمنت الكوارث التي أصابت الغواصات و سلسلة حوادث الطائرة و هبوطها الإجباري , و حسب كلام بوارو كانت جميعا من فعل الأربعة الكبار , و شهد بان عندهم أسرار علمية لا يعرفها العالم كله , و هذا جعل رئيس وزراء فرنسا يسأل بوارو سؤالا كنت أنتظره :

    - قلت بأن العضو الثالث من هذه المنظمة امرأة فرنسية , هل تعرف اسمها ؟
    - انه اسم مشهور جدا يا سيدي , اسم ذائع الصيت , رقم ((3)) ليس إلا مدام أوليفير !

    و لما ذكر اسم العالمة الكبيرة خليفة المدام كوري قفز السيد ديسجاردريو من كرسيه , احمر وجهه و قال :
    - مدام أوليفير ؟ مستحيل ! هذا سخف ! ان الذي تقوله إهانة . .

    هز بوارو رأسه بلطف لكنه لم يجبه . نظر ديسجاردريو إليه مذهولا لبضع دقائق , ثم التفت إلى وزير الداخلية و ضرب على جبينه بصورة ذات دلالة , قال :

    - السيد بوارو رجل عظيم , لكن حتى العظماء يصيبهم الهوس أحيانا , هذا معروف , أليس كذلك يا سيد كراوثر ؟

    صمت وزير الداخلية قليلا ثم أجابه بلسان ثقيل :

    - لا أدري , كنت دائما و ما زلت أثق بالسيد بوارو , لكن هذا جدير بالملاحظة !
    - ديسجاردريو : لي شانغ ين أيضا , من ذا سمع به من قبل ؟

    و جاء الصوت من السيد إنغليز على غير توقع :

    - أنا سمعت . .

    حدق إليه الرجل الفرنس ثم نظر بهدوء كأنه وثن صيني , أوضح وزير الداخلية :

    - السيد إنغليز هو أعظم مرجع لدينا في شؤون الصين
    - إنغليز : لقد ظننت أنني الرجل الوحيد في إنكلترا الذي يعرف عنه , إلى أن جاءني السيد بوارو . لا تخطئ يا سيد ديسجاردريو , في الصين رجل واحد ذو أثر اليوم : لي شانغ ين , و قد يكون أذكى دماغ في العالم اليوم على الإطلاق

    جلس السيد ديسجاردريو كالمصعوق , لكنه ملك قواه و قال :

    - ربما يصح شيء مما تقول يا سيد بوارو , و لكنك مخطئ بالتأكيد فيما يتعلق بمدام أوليفير . . إنها ابنة فرنسا المخلصة للعلم !

    هز بوارو كتفيه استهجانا و لم يجب

    ران الصمت بعض الوقت , ثم نهض صديقي و عليه ملامح الوقار :

    - هذا كل ما أردت قوله يا سادة , إني أحذركم , دار في خلدي أنكم ربما لا تصدقونني , لكنكم قد تصبحون أكثر حذرا , إن كلماتي ستدخل في الأعماق و كل جديد سيؤكد لكم الحقيقة , كان ضروريا أن أتحدث الآن إليكم , فلعلي لا أستطيع لقاءكم بعد هذا اليوم !
    - تقصد . . ؟
    - أقصد أنني أصبحت في خطر دائم مند فضحت اسم رقم ((4)) , سوف يسعى لتدميري بأي ثمن , و ليس اسمه ((المدمر)) من فراغ أو ضعف يا سادة . أسلم عليكم , و إليك يا سيد كراوثر هذا المفتاح و هذا الظرف , كتبت كل ملاحظاتي عن القضية و أفكاري حول أحسن السبل لمواجهة الخطر الذي قد يعم العالم يوما ما و وضعتها في خزانة , فإن قتلت يا سيد كراوثر فأنت صاحب الحق للتصرف بتلك الأوراق , يوما طيبا !

    خرجنا و خرج إنغليز معنا , و قال بوارو و نحن نسير :

    - ما خاب ظني في المقابلة لم أتوقع إقناع ديسجاردريو , لكنني ضمنت أنني اذا مت فإن معرفتي لا تموت , لقد أقنعت واحدا من اثنين . . . لا بأس !
    - إنغليز : إنني معك كما تعرف , و وسوف أسافر إلى الصين إن نجوت بنفسي
    - هل هدا عمل حكيم ؟
    - لا , لكنه واجب , و علي أن أعمل ما أستطيع
    - آه إنك رجل شجاع , و لو لم نكن في الشارع لعانقتك

    ظننت أن إنغليز بدا مطمئنا . . و هدر قائلا :

    - قد لا أكون في خطر و أنا في الصين أكثر من الخطر الذي تواجهه أنت في لندن
    - ربما , أرجو أن لا يذبحوا هيستنغز أيضا . . إن هذا يزعجني كثيرا !

    قاطعت حديثهما اللطيف لأقول بأنني لا أعتزم ترك نفسي تدبح , و بعد ذلك بقليل تركنا إنغليز , سرنا بصمت بعض الوقت لكن بوارو قطعه و قال عبارة مفاجأة تماما , قال :

    - أظن أن علي أن أقحم أخي في هذه القضية
    - أخوك ؟ لم أعرف أن لك أخا من قبل
    - يا هيستنغز , ألا تعلم أن رجال التحري جميعا لهم إخوة ؟

    بوارو له طريقة عجيبة أحيانا تجعل المرء في حيرة مايدري أجاد هو أم هازل ! سألته و أنا أحاول أن أوافقه :

    - و ما اسم أخيك ؟
    - أشيلي , يعيش قرب منتجع صحي في بلجيكا
    - و ماذا يعمل ؟
    - لا شيء ؛ لأنه مريض , لكن قدرته على الاستنتاج ليست دون قدرتي
    - و هل يشبهك ؟
    - أجل لكنه ليس أنيقا و يحلق شاربه
    - أكبر منك ؟
    - لقد صادف أنه ولد في نفس اليوم الذي ولدت فيه !

    صحت مندهشا : توأمان !

    - تماما يا هيستنغز , إنك تقفز إلى النتيجة الصحيحة بدقة ! ها نحن قد عدنا إلى البيت ثانية , دعنا نشتغل في الحال بتلك القضية السهلة , قضية عقد الدوقة

    لكن قدر لقضية عقد الدوقة أن تتأجل بعض الوقت , فقد كان عندنا قضية من نوع آخر , فما إن دخلنا إلى البيت حتى جاءت السيدة بيرسون و أخبرتنا أن ممرضة اتصلت و أنها تريد رؤية بوارو

    دخلنا فوجدناها تجلس على مقعد كبير تقابل الشباك . . امرأة جميلة في ربيع العمر , عليها زي كحلي , كرهت الحديث في المسألة قليلا لكن بوارو طمأنها فأخذت تحكي قصتها :

    - أرسلني مستشفى لارك سيتر هود لكي أمرض عجوزا في هيرتفوردشير اسمه السيد تيمبلتون , و كان بيته يثير البهجة و أهله فرحون , الزوجة : مدام تيمبلتون أصغر كثيرا من زوجها , و له ابن من زواجه الأول يعيش هناك , و لكنه لم يكن على وفاق تام مع زوجة أبيه , و هو لم يكن مختلا تماما و لكنه من النوع البطيء التفكير

    حسنا . . لقد كان العجوز مريضا , و بدا لي مرضه مند البداية غامضا , و في ذلك الوقت بدا سليما معافى , ثم – فجأة – أصابته نوبة معوية مع ألم و تقيؤ , لكن طبيبه بدا راضيا عن حالته و لم أستطع أن أقول شيئا , بيد أني لم أملك نفسي من التفكير في حالته ثم . .

    سكتت و احمر وجهها , و قال بوارو :

    - حدث شيء أثار شكوكك ؟
    - نعم

    ثم سكتت و قد بدا أن الاستمرار صار صعبا عليها . .

    - عرفت أن الخدم ينقلون كلاما أيضا . .
    - عن مرض السيد تيمبلتون ؟
    - آه ! كلا , بل عن هدا الشيء الآخر !
    - السيدة تيمبلتون ؟
    - نعم
    - ربما مع السيدة تيمبلتون مع الطبيب ؟

    كان بوارو ذا حاسة خارقة في هده الأمور . . . ألقت الممرضة عليه نظرت شكر و أكملت :

    - كانوا ينقلون كلاما , ثم ذات يوم رأيتهما بعيني في الحديقة . .

    توقفت المسألة هكذا ,لقد كانت زبونتنا في كرب شديد لأنها انتهكت الحشمة , فلم نسألها مادا رأت حياء , لكنها حتما قد رأت ما فيه برهان

    - النوبة ساءت و ساءت , الدكتور تريفز زعم أن كل مايصيب العجوز طبيعي متوقع و أنه ربما لا يعيش طويلا , لكنني لم أر شيئا من هدا أبدا من قبل طوال خبيرتي في التمريض , بل بدا لي أنه شكلا من . .

    أطرقت مرة أخرى و هي مترددة , فتدخل بوارو مساعدا :

    - التسمم الزرنيخي . .

    هوت رأسها موافقة

    - و المريض قال بعد ذلك شيئا عجبا , قال (( سيقتلونني أربعتهم ! سيقتلونني ! ))
    - ماذا ؟!
    - كانت هذه هي كلمته يا سيد بوارو , كان يكابد ألما عظيما آنذاك و لا يعي – على الأغلب – ما يقول
    - مذدا تظنين معنى قوله (( أربعتهم )) ؟
    - لست أدري , لعله كان يقصد زوجته و ابنه و الطبيب و الآنسة كلارك صاحبة زوجته , ربما كان يتوهم أنهم جميعا متحدون عليه
    - نعم , ربما . . و ماذا عن الطعام ؟ ألم تأخذي حذرك في شأنه ؟
    - إنني دائما أفعل ما أستطيع لكن السيدة تيبلتون تلح أحيانا كي تطبخه هي بيدها , ثم أحيانا أكون في عطلة
    - تماما , و أنت لست على يقين من الأمر كي تبلغي الشرطة

    أظهر وجه الممرضة خوفها عند هدا السؤال . .

    - أصابت السيد تيمبلتون نوبة بعد شربه صحنا من المرق , فأخذت حثالة المرق و أحضرتها معي , لقد ألغيت اليوم زيارة إلى أمي المريضة من أجله . .

    أخرجت قنينة ملئت سائلا قاتما و أعطتها بوارو :

    - أحسنت يا آنسة , سوف نحللها الآن , إذا رجعت بعد ساعة فنكون قد حسمنا شكوكك

    و كتب بوارو اسمها و بعض المعلومات عن مؤهلاتها ثم سطر رسالة و بعثها مع قنينة المرقة , و بينما كنا ننتظر النتيجة كان بوارو يسلي نفسه بالتحقيق في أوراق الممرضة مما أدهشني , فقال :

    - أنا أعمل جيدا يا صديقي كي أكون حذرا , لا تنس أن الأربعة الكبار يتعقبوننا

    عرف بوارو أن اسمها مابل بالمر , كانت تعمل في مهد لارك , ترى لماذا أرسلت إلى تيمبلتون ؟ قال و عينيه تلمع :

    - حسنا و الآن هاهي بالمر قد رجعت و هاهو بيان التحليل . .
    - هل فيه زرنيخ يا سيد بوارو ؟
    - لا !

    دهشت أنا و الممرضة كثيرا , و أكمل بوارو :

    - ليس فيه زرنيخ لكن فيه أنتيمون , سنذهب حالا إلى هيرتفوردشير , أدعو الله ألا نكون متأخرين

    لقد قرر بوارو أن يقدم نفسه كرجل تحر , لكن حجته الظاهرة أنه أتى يسأل مدام تيمبلتون عن خادمة كانت تعمل عندها , و يزعم أن لها علاقة بسرقة الجواهر

    وصلنا بيتهم المسمى (( إلمستيد ))في ساعة متأخرة , بعدما سمحنا للممرضة أن تسبقنا بعشرين دقيقة حتى لا تثار شكوك حول وصولنا سوية

    السيدة تيمبلتون امرأة طويلة عبوس يبدو في عينيها القلق

    استقبلتنا و لاحظت مسحة من الخوف سرت على وجهها عندما أعلن بوارو عن هويته . لكنها أجابت سؤاله في شأن الخادمة بجلد , ثم بدأ بوارو حديثه في تاريخ طويل لقضية تسميم وصفتها امرأة مذنبة , عيناه لم تغادر وجهها وهو يتحدث و قد حاولت هي كبت هيجانها الدي كان يزيد , ثم فجأة , أسرعت من الغرفة بعذر ضعيف . .

    لم نترك وحدنا طويلا , فقد دخل علينا رجل قوي الجسم شاربه أحمر خفيف و على أنفه نظارة , قدم نفسه قائلا :

    - دكتور تريفيز . طلبت مني مدام تيمبلتون أن أعتذر لكما فهي في حالة سيئة , إنها متوترة بسبب قلقها على زوجها و قد نصحت لها أن تذهب للنوم حالا , لكنها ترجوكما أن تبقيا ! لقد سمعت بك يا سيد بوارو و نريد أن ننتفع بحضورك . . ها هو ميكي . .

    و دخل علينا فتى بطيئ الحركة , يدل وجهه المدور و حاجباه المرتفعان على حماقة و دهشة دائمة , ابتسم بصورة عجيبة وهو يصافحنا . يبدو أنه كان ذلك الابن (( بطيء التفكير )) !

    و قمنا جميعا لوجبة العشاء , و عندما انصرف الدكتور ليأتي ببعض الطعام , صارت ملامح وجه الفتى متغيرة بصورة مخيفة : مال للأمام وهو يحدق ببوارو , و قال وهو يهز رأسه :

    - أنت جئت من أجل أبي , أعرف . . أعرف أشياء كثيرة , لكن لا أحد يظنني أعرف , أمي ستفرح حين يموت أبي , وتستطيع أن تتزوج الدكتور تريفيز , إنها ليست أمي . . إني لا أحبها

    كان كل شيء مرعبا , و من حسن الحظ أن عاد الدكتور تريفيز قبل أن يلفظ بوارو كلمة معه , و كان علينا أن ننشغل بحديث آخر

    و فجأة أسند بوارو ظهره إلى الكرسي و جعل يتأوه ووجهه يتلوى من الألم . . صرخ الدكتور :

    - سيدي العزيز , ماذا أصابك ؟
    - تشنج مفاجئ . . إنني معتاد عليه . لا , لا أحتاج إلى مساعدة منك يا دكتور , هل يمكن أن أستريح في الطابق الأعلى ؟

    قبل طلبه فورا و صحبته إلى الأعلى حيث سقط على سريره و هو يئن بشدة , لقد ذهلت قليلا لكني فهمت بسرعة أن بوارو كان يمثل و أن غايته أن يترك وحده في الطابق الأعلى بجوار غرفة المريض , و لقد كنت مستعدا حين قفز واقفا في اللحظة التي كنا وحدنا :

    - أسرع يا هيستنغز , الشباك . . . اللبلاب هناك في الخارج , نستطيع أن ننزلق عليه إلى الأسفل لنهرب قبل أن يشكوا في غيابنا !
    - ننزل إلى أسفل ؟
    - أجل , لا بد أن نخرج من هنا حالا , هل رأيته في العشاء ؟
    - الطبيب ؟
    - لا , تيمبلتون الفتى , عادته العجيبة في الخبز ! ألا تذكر ما قالته مونرو لنا ؟ قالت بأن كلود داريل كان فيه عادة تفتيت الخبز على الطاولة ليأكل لب الرغيف , إنها مؤامرة محكمة يا هيستنغز , و هذا الفتى المعتوه هو عدونا الخبيث . . رقم ((4)) . . . أسرع !

    انزلقنا على نبات اللبلاب و نزلنا بسكون و بالكاد أدركنا قطار الساعة 8,34 الأخير الذي أوصلنا إلى البلدة في الساعة الحادية عشرة مساء

    قال بوارو متأملا : مؤامرة ! ترى كم واحدا منهم شارك فيها ؟ أشك في أن أسرة تيمبلتون جميعا ليسوا سوا عملاء للأربعة الكبار , هل أرادوا هكذا بسهولة أن نقع في شركهم أم أنها كانت أكثر مكرا ؟ هل كانوا . . ماذا ؟ إنني أتساءل !

    ظل يفكر كثيرا . .

    و عندما وصلنا إلى مسكننا أبقاني عند باب غرفة الجلوس :

    - تنبه يا هيستنغز , عندي شكوك , دعني أدخل أولا . .

    دخل , ثم دهب حول الغرفة كأنه قطة غريبة بحذر و هدوء تام , و راقبته قليلا و أنا في مكاني جانب الحائط , قلت و قد نفذ صبري :

    - كل شيء على ما يرام يا بوارو
    - عسى أنه كذلك لكن دعنا نتأكد
    - سأشعل نارا و أدخن بغليوني . . هاهي أعواد الثقاب قد تركتها أنت هذه المرة و لم تعدها إلى مكانها , و هو الأمر الذي كنت تعيبه علي

    مددت يدي , فسمعت صرخة بوارو , قفز نحوي , لمست يدي علبة الكبريت . . ثم . . وميض من اللهب الأزرق . . ضربة على الأذن , و ظلام !

    وعيت لأجد صديقنا الدكتور ريدغوي يجثو على ركبتيه فوقي تلمح في وجهه الطمأنينة , قال :

    - كن هادئا , لقد وقع حادث , أنت بخير
    - و بوارو ؟
    - أنت في بيتي اطمئن

    شعرت خيفة , هروبه من الجواب ألقى في نفسي خوفا رهيبا . .

    - بوارو ؟ أين بوارو ؟

    أدرك أن علي أن أسمع جوبا فقال :

    - لقد نجوت بمعجزة , أما بوارو فلم ينج

    انفجرت صرخة من بين شفتي :

    - لم يمت ؟ لم يمت ؟

    حنى ريدغوي رأسه . . و جلست أنا و قلت بضعف :

    - ربما يكون بوارو قد مات . . لكن روحه . . ستعيش ! سأتابع عمله , الموت للأربعة الكبار ! ثم سقطت على ظهري فاقدا الوعي


    الفصل السادس عشر


    لا أحتمل الكتابة عن تلك الأيام التي حدثت من شهر آذار . . بوارو مات ! لقد كان في علبة الكبريت لمسة شيطانية , كان محتما أن تفلت أعوادها غير المرتبة اهتمامه فيسرع لكي ينسق أعوادها المبعثرة , و هكذا سببت اللمسة الانفجار !

    الحق أنني أنا الذي عجلت في الكارثة , و هدا ملأني ندما لا ينفع و لا يدفع !

    قال الدكتور ريدغوي بأن نجاتي كانت معجزة , لكن ارتجاجا طفيفا أصابني , و بعد أن استرجعت وعيي مشيت مترنحا إلى الغرفة المجاورة قبل حلول ظلام اليوم الذي تبع الحادث , و رأيت بحزن عميق تابوتا من خشب الدردار ترقد فيه بقايا واحد من أروع الرجال الذين عرفتهم !

    و منذ أول لحظة عاد فيها وعيي كان عندي هدف واحد . .الانتقام لموت بوارو و أن أصيد الأربعة الكبار بلا رحمة . . و ظننت أن الدكتور ريدغوي يفكر مثلي , و لكن الطبيب الطيب بدا فاترا و لم أدر لماذا ؟ . . (( عد إلى أمريكا الجنوبية )) , هكذا ظل ينصحني . . لماذا ؟ لقد قال بأن بوارو الخارق قد فشل فهل أنجح أنا ؟

    لكنني أصررت و تجاهلت كل تشكيك في قدراتي . . لقد عملت مع بوارو طويلا فعرفت منه أسلوبه , و شعرت بالقدرة التامة على متابعة العمل الذي رسمه . . لقد قتل صديقي قتلة قاسية , فهل علي أن أؤوب إلى أمريكا دون جهد لإحضار قتلته أمام العدالة ؟

    قلت هذا كله و أكثر منه لريدغوي الذي كان ينصت لي قبل أن يعلق قائلا :

    - مهما يكن فإني أنصحك , و لو كان بوارو نفسه بيننا لكان ألح عليك بالعودة , أتوسل إليك باسمه يا هيستنغز أن تترك هذه الفكرة المتهور و ترجع إلى مزرعتك !

    و ما زلت على جوابي فلم يقل شيئا و هز رأسه بأسف !

    و مضى شهر استعدت فيه عافيتي و عند نهاية شهر نيسان سعيت و عقدت لقاء مع وزير الداخلية فكان رأي السيد كراوثر يذكرني بكلام الدكتور ريدغوي , ففي حين كان يشكر لي كان يرفض عرضي بلطف و حذر , أوراق بوارو صارت في حوزته و قد أكد لي بأنه سيتخذ كل عمل جائز لمواجهة الخطر الذي يدنو و يقترب

    و مع هذا العزاء البارد حملت على الاقتناع , أنهى السيد كراوثر اللقاء بأن ألح علي أن أعود إلى أمريكا . . لقد رأيت كل المسألة لا ترضيني . . و الآن يجب أن أصف جنازة بوارو

    كان احتفالا وقورا مهيبا و كلمات الإجلال التي قيلت كانت فخمة جزيلة , لقد جاء المعزون من أماكن شتى و توافدوا إلى المكان الذي اختاره صديقي لنفسه . . بلد إقامته ! لقد غلبني الحزن و أنا أقف عند جانب المقبرة و ذكرت جميع تجاربنا المختلفة و الأيام السعيدة التي عشناها معا

    في بداية شهر أيار رسمت خطة الحملة : لن أفعل خيرا من اتباع خطة بوارو في الإعلان من أجل جذب كلود داريل , و نشرت إعلانا في عدد من الصحف الصباحية , و كنت أجلس في مطعم صغير في سوهو و أرى تأثير الإعلان من خلال قراءتي للصحف

    فجأة صدمتني فقرة صغير صدمة عنيفة . . (( اختفى السيد جون إنغليز من السفينة (( شنغهاي )) بعد مغادرتها ميناء مرسيليا بقليل , و رغم أن الجو كان هادئا تماما لكن يخشى أن الرجل المسكين قد سقط من السفينة )) , و انتهت الفقرة بحديث مقتضب حول خدمة السيد إنغليز الطويلة و المميزة في الصين

    كان الخبر غير سار , أدركت أن وراء مقتل إنغليز دافعا شريرا , لم أصدق أبدا النظرية القائلة بأنه مات بحادث , قطعا كان موته من فعل الأربعة الكبار الملعونين !

    و بينما كنت مذهولا من المصيبة أقلب المسألة كلها في دماغي داخلني خوف من سلوك الرجل الجالس مقابلتي و لم أكن قد أعرته كبير اهتمام . كان نحيفا أسمر متوسط العمر شاحب البشرة ذا لحية خفيفة , جلس مقابلي بهدوء تام حتى أنني لم أحس بقعوده , لكنه الآن صار يفعل فعلا غريبا قطعا : مال إلى الأمام و نثر عمدا أربع كومات من الملح حول حافة صحني , قال بصوت كثيب :

    - اسمح لي : إنهم يقولون أن تقديم الملح هو نوع من المواساة للغريب , أرجو أن تكون فهمت . .

    صنع – في دلالة مؤكدة – عند صحنه ما فعله لي , إن الرمز ((4)) كان واضحا !

    نظرت إليه بإمعان , لم أستطع أن أرى أنه يشبه تيمبلتون الصغير و لا جيمس الخادم أو أيا كان من الشخصيات الأخرى المختلفة التي صادفتنا , لكنني كنت جازما بأنني أواجه رقم (( 4)) المروع نفسه , الصوت كان فيه شبه ضعيف من صوت الرجل الغريب ذي المعطف المزرر الذي زارنا في باريس

    نظرت حولي مترددا حول رد فعلي المناسب , و بدا أنه يقرأ أفكاري , تبسم وهز رأسه بلطف و قال :

    - لا أنصحك بهذا , تذكر ما حدث من العجلة في باريس , طريق هروبي مفتوحة تماما , أنت تضمر الشر قليلا يا كابتن هيستنغز . .

    قلت و أنا أختنق من الغضب :

    - تبا أيها الشيطان !
    - غضبان . . أنت تافه غضبان , لا بد أن صاحبك الراحل أخبرك بأن الرجل الذي يظل هادئا يجني دائما منفعة عظيمة . .

    صحت فيه :

    - تجرؤ أن تتكلم عن الرجل الذي قتلته بتلك الطريقة القذرة . . .

    قاطعني قائلا :

    - جئت هنا من أجل هدف سلمي , لكي أنصحك أن تعود إلى أمريكا الجنوبية فورا , إن فعلت ذلك فستنتهي المسألة بقد ما يعني ذلك للأربعة الكبار و لن نؤذيك أنت و لا زوجتك , أعدك بذلك

    ضحكت بازدراء :

    - و إذا رفضت ؟
    - هذا ليس أمرا , دعنا نقل بأنه . . تحذير , التحذير الأول , أنصحك أن لا تضيعه . .

    ثم نهض و انسل خارجا بسرعة نحو الباب قبل أن أقدر نيته , لحقته لكن حظي كان تعيسا , فقد اصطدمت برجل بدين سد الطريق , و لما فككت نفسي منه كان طريدي يجتاز مدخل الباب , و قابلني نادل يحمل كومة كبيرة من الصحون صدمني أيضا دون إشعار , و ما إن وصلت الباب حتى كان الرجل قد اختفى !

    كان اعتذار النادل سمجا , و الرجل البدين جلس بهدوء على طاولة و طلب غذاء , ربما كان كلا الحادثين مصادفة , لكنني كنت أعرف جيدا أن عيون الأربعة الكبار في كل مكان !

    لقد شدني تحذير الرجل , لكنني سأعمل أو أموت من أجل قضية صالحة

    و لم إجابات مفيدة عن الإعلانات , إنما وردتني إجابتان من ممثلين عملا مع داريل قليلا و لم يكونا يعرفانه عن قرب و لم يذكرا هويته أو مكانه !

    مرت عشرة أيام و لم تظهر علامة أخرى من الأربعة الكبار , و كنت أقطع هايد بارك و أنا حيران أفكر , ناداني صوت امرأة جاهر , يبدو أنها أجنبية . .

    - أنت كابتن هيستنغز , أليس كذلك ؟

    توقفت سيارة أجرة فاخرة جنب الرصيف , و أطلت منها امرأة تلبس ثوبا أسود و عقدا من اللؤلؤ رائعا . . عرفتها : الكونتيسة فيرا روساكوف . . جندية الأربعة الكبار !

    كان لبوارو ولع خفي بالكونتيسة , شيء ما فيها جذب الصغير , كان في لحظات الحماس يقول بأنها امرأة تساوي ألفا من النساء ولو كانت تعمل ضدنا . .

    روساكوف : آه , لا تعبر الشارع , عندي شيء هام جدا و أريد أن تسمعه , و إياك أن تسعى إلى اعتقالي لأن ذلك سيكون غباء منك , أنت غبي لأنك عازم ألا تطيع تحذيرنا , و هذا هو تحذيرنا الثاني جاءك معي : (( غادر إنكلترا في الحال , قعودك لا يفيد , لن تجني شيئا هنا أبدا ))

    - كلكم مهتمون بإخراجي من البلد , عجبا !

    هزت روساكوف رأسها استهجانا . .

    - أنا أظن أنك أحمق , كنت سأتركك هنا تعمل بسعادة , لكن الرؤساء يخافون كلمة منك ربما تساعد أولئك الذين هم أكثر ذكاء منك . .

    كظمت غيظي , كلمتها هذه أزعجتني لأن فيها إشارة استخفاف بي . قالت :

    - هذا ما سوف يكون , من السهل أن ينفوك , لكنني أشفق على الناس أحيانا , إنني أناشدك , إن لك زوجة صغيرة حسناء في مكان ما , أليس كذلك ؟ و لسوف يسعد الرجل الصغير في قبره أنك لم تمت , لقد كان يعجبني , كان ذكيا ! لو لم تكن قضية أربعة مقابل واحد لعظمناه كثيرا . . لقد كان بوارو أستاذي , لقد أرسلت إكليلا إلى الجنازة إعلانا بإعجابي , إكليلا كبيرا من الورود القرمزية التي أحبها

    استمعت إليها في صمت و حقد و ما زالت تتكلم :

    - أنت كالبغل , حين يحرك أذنيه و يرفس , حسنا , فقد أبلغتك تحذيري فتذكر , الإنذار الثالث سيأتي من يد المدمر . .

    و أشارت إلى السائق فانطلقت السيارة , لاحظت رقمها لكن لا أرجو أملا من هذا ؛ الأربعة الكبار لا يتركون هذه التفصيلات

    ذهبت إلى البيت هادئا قليلا , لقد عرفت من السيل الجارف نم كلماتها حقيقة واحدة : حياتي في خطر ! لا , لن أتخلى , بل أمضي بحذر شديد و أحترس . .

    و بينما أنا أعرض كل هذه الحقائق و أدرس خير طريقة للعمل رن الهاتف :

    - نعم .. مرحبا .. من يتكلم ؟
    - مستشفى سانت جيلز , عندنا رجل صيني طعن بالسكين و أحضر إلينا , لن يعيش طويلا , لتصلنا بك لأننا وجدنا في جيبه قصاصة ورق عليها اسمك و عنوانك . .
    - سأحضر فورا

    كنت مذهولا !

    مستشفى سات جيلز بجانب أحواض السفن , إذن فلعل الصيني يكون قد خرج لتوه من سفينة . . أم أن الأمر كله فخ ؟ مهما يكن فربما يكون لشانغ ين يد فيما يجري ! لن تضرني زيارة المستشفى , عسى أن يبوح لي الصيني المحتضر بشيء أستنير به , لكنني سأتكلف الحماقة و أنا – في الواقع – يقظان

    وصلت المستشفى , و بعد أن عرفت بنفسي قادتني بعض الممرضات فورا إلى جناح الحوادث

    رأيت الصيني راقدا بدون حركة , جفناه مغمضان و صدره ينبض نبضا ضعيفا يدل أنه مازال يتنفس . وقف عنده الطبيب و أصابعه تجس النبض , همس :

    - كأنه ميت , هل تعرفه ؟
    - لا , لم أره من قبل أبدا
    - إذن ما شأن اسمك و عنوانك في جيبه ؟ أنت كابتن هيستنغز , أليس كذلك ؟
    - بلى , و لكنني لا أدري . .
    - عجبا ! أوراقه تثبت أنه كان خادما عند رجل يدعى إنغليز , موظف مدني مسرح , و أنت تعرفه , أليس كذلك ؟
    - لقد رأيت خادم إنغليز من قبل لكني لا أستطيع أن أميز صينيا عن آخر , لابد أنه كان مع إنغليز في طريقه إلى الصين و بعد حصول الكارثة رجع هنا برسالة قد تكون خاصة بي , يجب أن أسمع الرسالة .. سألت الطبيب :

    - هل هو في وعيه ؟ ألا يستطيع الكلام ؟ السيد إنغليز كان صديقي القديم و لعل هذا المسكين قد أحضر لي رسالة منه , إذ يعتقد أن السيد إنغليز قد اختفى عن ظهر سفين قبل عشرة أيام . .

    - إنه واع لكن ربما لا يستطيع النطق , فقد دما كثيرا , أستطيع أن أعطيه حقنة منشطة لكننا عملنا كل ما بوسعنا

    و حقنه الطبيب بإبرة تحت الجلد و بقيت عنده راجيا أن يتكلم كلمة واحدة أو إشارة ربما تكون هامة عندي , ولكن الدقائق مرت و لم يتحرك

    و فجأة , خطرت ببالي فكرة مقلقة . .

    ألم أكن قد وقعت في فخ ؟ فليكن هذا الرجل انتحل شخصية خادم إنغليز و أنه في الحقيقة جندي للأربعة الكبار , ألم أقرأ مرة أن كهنة في الصين يقدرون أن يتظاهروا بالموت ؟ أو أبعد من ذلك : لعل لي شانغ ين قد أمر جماعة من جنوده الذين يحبون أن يتظاهروا بذلك . . لا بد أن أحذر . .

    في اللحظة هذه تحرك الرجل في سريره , فتح عينيه , همس كلاما و عينه علي , لم يقم بأي حركة تدل أنه عرفني , و لكني أدركت حالا أنه يريد أن يكلمني , وسواء كان صديقا أو عدوا , ينبغي أن أستمع إليه

    انحنيت فوق السرير لكنني لم أفهم شيئا من صوته المتهدج , سمعت كلمة (( هاند )) و لم أفهمها , ثم سمعت كلمة أخرى (( لارغو )) , حدقت إليه بذهول و سألته :

    - (( هاندلز لارغو )) ؟

    طرف أجفانه بسرعة كأنه وافق , ثم أضاف كلمة إيطالية :

    - (( كاروزا )) ؟

    ثم تراجع فجأة . دفعني الطبيب جانبا , كان كل شيء قد انتهى , فالرجل قد مات !

    خرجت مرة أخرى إلى الهواء و أنا في حيرة . . إذا كنت أذكر (( كاروزا )) بشكل جيد فمعناها باص . . ماذا وراء هذه الكلمات القليلة ؟ الرجل صيني و ليس إيطاليا فلماذا يتكلم الإيطالية ؟ فإن يكن هذا خادم إنغليز فلا بد أن يعرف الإنكليزية . . الأمر عجيب , يا ليت بوارو عندي لكي يحل هذه المشكلة !

    و دخلت بعد أن فتحت الباب و صعدت ببطء إلى غرفتي , فوجدت على الطاولة رسالة , فتحتها فتحجرت في مكاني في الحال , كان بلاغا من شكرة المحامين , الرسالة تقول :

    (( سيدي العزيز ,

    حسب وصية موكلنا السيد هيركيول بوارو نرسل إليك هذه الرسالة المرفقة التي وصلتنا قبل اسبوع من وفاته و فيها أنه يجب علينا أن نرسلها إليك في تاريخ معين بعد وفاته . .

    المخلص . . .))

    قلبت الرسالة المرفقة مرة تلو الأخرى , حتما هي من بوارو , أنا أعرف كتابته , و بقلب مثقل و لهفة فتحتها . . .

    (( صديقي العزيز المحب ,
    لن أكون موجودا لدى استلامك هذه الرسالة لا تأسف علي و لكن اتبع أوامري :
    عند استلامك هذه الرسالة عد إلى أمريكا الجنوبية فورا , لا تكن عنيدا , إنني لا أناشدك أن تنجز هذه الرحلة من أجل العاطفة , بل إنها ضرورية , جزء من خطة بوارو , و لعلك فهمت يا صديقي الذكي . .
    . . فليسقط الأربعة الكبار !
    هيركيول بوارو )) .


    قرأت هذا البلاغ مرارا , شيء واحد كان واضحا : لقد أعد الرجل المذهل لكل وجه حتى أن موته لم يضرب تسلسل خطته : أنا العضو المنفذ وهو العقل المدبر , أعدائي سوف يحسبون أني أطعت تحذيرهم فلا ينشغلون بي , و أعود دون اشتباه و أدمرهم . .

    وأرسلت برقية و حجزت على السفينة (( أنزونيا )) في طريقي إلى بيونس آيرس , و بعد أن غادرت السفينة مرفأها أحضر لي المضيف رسالة أخذها من رجل ضخم يلبس معطف فرو غادر السفينة قبل أن ترفع ألواح المعابر الخشبية , فتحتها . . كان فيها كلمتان :
    أنت حكيم .
    رقم {{4}}

    و ضحكت في نفسي

    البحر كان هادئا , واستمتعت بعشاء حسن , و رأيت – مثل سائر زملائي المسافرين – أن ألعب مباراة أو اثنتين في البريدج , ثم عدت ونمت كالقتيل , و هذا حالي كلما ركبت سفينة

    و صحوت من إحساسي بأنني كنت أهتز مرارا , رأيت – و أنا مذهول – قبطانا يقف فوقي

    - شكرا لله ! صحوت أخيرا ؟ هل تنام دائما في هذه الهيئة ؟
    - ماذا في الأمر ؟ هل أصاب السفينة شيء ؟
    - ظننت أنك تعرف . . إنها أوامر قيادة البحرية , مدمرة تنتظرك لتأخذك معها
    - ماذا؟ في وسط المحيط ؟
    - ليس هذا شأني , لقد أرسلوا إلى السفينة شابا يحل محلك , و قد أقسمنا جميعا على السرية . هلا نهضت و لبست ثيابك ؟

    فعلت ما طلب مني و أنا عاجز عن كتمان عجبي

    تم إنزال قارب و حملت على ظهر مدمرة , و استقبلوني بترحيب لكني لم أفهم شيئا , كانت أوامر القائد أن أنزل في بقعة ما على الساحل البلجيكي , هناك تنتهي معرفته و مسؤوليته

    كل شيء كان كالحلم , لكن ما استقر في قلبي أن هذا لا بد أن يكون جزءا من خطة بوارو , ينبغي أن أسير كالأعمى واثقا من صديقي الذي مات !

    هبطت في نقطة ما , كانت هناك سيارة تنتظرني , و في الحال عبرنا سهول فليميش المنبسطة , و نمت في تلك الليلة في فندق صغير في بروكسيل , و واصلنا المسير في اليوم التالي , و دخلنا الغابات و الجبال , و عرفت أننا على جبال الأردنيز . . و فجأة تذركت أن لبوارو أخا يعيش في منتجع , لكننا لم نذهب إليه

    تركنا الطريق الرئيسي و عرجنا ناحية الهضاب في مكان ما منعزل حتى وصلنا إلى قرية صغيرة فيها دار منعزلة , وقفت السيارة أمام بابها الأخضر . .

    نزلت من السيارة , كان على مدخل الباب عجوز ينحني لي , قال بالفرنسية :

    - كابتن هيستنغز ؟ أرجوك اتبعني

    و سار أمامنا عابرا القاعة , و فتح في نهايتها بابا كبيرا على مصراعيه , ووقف جانبا لكي يسمح لي بالدخول . .

    طرفت عيناي قليلا لأن الغرفة كانت من جهة الغرب و كانت شمس الأصيل تخترق الغرفة , ثم فتحت عيني و رأيت رجلا يمد يده إلي . . كان ذلك الرجل . . آه ! مستحيل . . كيف ؟ لكن , نعم . . صحت : بوارو !

    و لم أحاول التهرب من العناق الذي غمرني به

    - نعم , نعم , ليس سهلا قتل بوارو . .
    - ولكن , بوارو . . لماذا ؟
    - الحرب يا صديقي خدعة , كل شيء الآن جاهز لانقلابنا الكبير !
    - لماذا لم تخبرني ؟
    - لا يا هيستنغز , لم أتمكن ؛ لأنك ما كان يمكن أن تمثل دورك في جنازتي عندئذ بالاتقان الذي سارت عليه الأمور
    - لكن الذي كنت سأكشفه . .
    - لقد رسمت خطة من أجلك, بعد الانفجار خطرت لي فكرة لامعة و ساعدني على تنفيذها ريدغوي الطيب فيها : أنا ميت و أنت ستعود إلى أمريكا الجنوبية , لكن هذا يا صديقي مالم تكن لتفعله , فكان علي في نهاية المسألة أن أدبر مسألة رسالة المحامي , لكن , على كل حال ها أنت هنا , ذاك هو الشيء العظيم , و الآن نحن نستلقي هنا بعيدين حتى تأتي خطة الانقلاب الكبير الأخير . . الإطاحة بالأربعة الكبار !


      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين نوفمبر 25, 2024 8:35 am