جريمة قتل بالمتر
أمسكت الآنسة بوليت مطرقة الباب وضربت بها باب البيت ضربات خفيفة وبعد فترة قصيرة ضربت ثانية. تحرك الكيس من تحت ذراعها الأيسر قليلا وهي تطرق الباب فقامت بتعديله وكان في داخل الكيس الثوب الشتوي الأخضر الجديد للسيدة سبينلو وهو جاهز لقياسه وكانت تتدلى من يد الآنسة بوليت اليسرى حقيبة من الحرير الأسود تحتوي على متر قياس ومقص كبير .
كانت الآنسة بوليت طويلة القامة نحيلة ذات أنف رفيع وشفتين مزمومتين وشعر أشيب خفيف وقد ترددت قبل أن تدق على الباب للمرة الثالثة وعندما نظرت إلى الشارع رات واحدة تقترب منها بسرعة .
صاحت الآنسة هارتنيل (وهي سيدة مرحة مسفوعة الوجه في الخامسة والخمسين من العمر) بصوتها العالي المعتاد : مساء الخير آنسة بوليت!
واجابتها الخياطة : مساء الخير يا آنسة هارتنيل .
كان صوتها رفيع جدا وهادئ النبرات وأكملت تقول : أرجو المعذرة ولكن هل لديك فكرة إن كانت السيدة سبينلو خارج البيت؟
- لا أعرف أبدا
- إنه أمر محرج بعض الشيء يفترض ان تقيس السيدة سبينلو ثوبها الجديد عصر اليوم وقد طلبت مني أن آتي إليها في الساعة الثالثة والنصف
نظرت الآنسة هارتنيل إلى ساعتها وقالت : لقد تجاوزت الثالثة والنصف بقليل .
- نعم لقد طرقت الباب ثلاث مرات ولكن لا يبدو أن في الداخل أحدا ولذلك تساءلت إن كانت السيدة سبينلو قد خرجت من بيتها ونسيت الموعد إنها لا تنسى مواعيدها عموما كما أنها كانت تريد لبس الثوب بعد غد .
عبرت الآنسة هارتنيل البوابة واتجهت صوب الآنسة بوليت عند باب البيت وسألتها : لماذا لا تفتح غلاديس الباب؟ آه اليوم هو الثلاثاء وهو يوم عطلتها أظن السيدة سبينلو نائمة ها طرقت البوابة بقوة؟
أمسكت المطرقة وطرقت بها الباب طرقات تصم الآذان كما ضربت الباب بيدها ضربات قوية أيضا وصاحت تنادي بصوت جهوري :من بالداخل ............... ولكن لم ترد أي اجابة .
تمتمت الآنسة بوليت : آه لا شك أن السيدة سبينلو قد نسيت الموعد وخرجت سآتي إليها في وقت آخر ............... ثم استدارت لتعود أدراجها نحو البوابة الخارجية .
قالت الآنسة هارتنيل بقوة : هراء لا يمكن أن تكون قد خرجت فلو خرجت لالتقيت بها سأنظر من النافذة وأرى ان كان في البيت أحد .
ضحطت بأسلوبها المبتهج المعتاد لتوضح أنها مجرد مزحة ثم نظرت من خلال أقرب نافذة لا مبالية لأنها كانت تعرف جيدا أن الغرفة الأمامية نادرا ما تستخدم ذلك لأن السيد سبينلو وزوجته يفضلان الجلوس في غرفة الجلوس الصغيرة الخلفية .
ورغم أنها كانت نظرة لا مبالية الا انها نجحت في تحقيق الهدف منها بالفعل لم تر الانسة هارتنيل أثرا للحياة داخل البيت وعلى العكس من ذلك فقد رأت من خلال النافذة السيدة سبنيلو ممدة على السجادة الصغيرة أمام الموقد ... ميتة .
--------------------------------------------------------
قالت الانسة هارتنيل وهي تحكي القصة فيما بعد : تمكنت - طبعا - من ضبط نفسي واستخدام عقلي لم يكن من شان تلك المخلوقة بوليت ان تعرف كيف تتصرف فقلت لها إن علينا ان نحافظ على رباطة جأشنا وطلبت منها ان تبقى مكانها حتى اذهب لاستدعاء الشرطى بولك وقد قالت شيئا عن عدم رغبتها في لبقلء وحدها لكني لم ألتفت لكلامها على الاطلاق يجب على المرء ان يكون صلبا مع مثل هؤلاء الاشخاص وقد وجدت - دائما - ان امثالها يحبون عمل ضجة ولذلك كنت على وشك المغادرة في نفس اللحظة التي اتى بها السيد سبينلو من عند زاوية البيت .............. سكتت الانسة هارتنيل سكتة ذات دلالة مما شجع محدثها على سؤالها بانفس لاهثة : أخريني كيف كان يبدو؟
وعدها كان من شأن الانسة هارتنيل ان تكمل قائلة : بصراحة شككت بوجود شئ في الامر على الفور كان هادئا غلى ابعد حدود ولم يبد انه قد فوجئ بأي شكل ولكم ان تقولوا ماتشاؤون ولكن ليس من الطبيعي ان يسمع رجل ان زوجته قد ماتت ولا يظهر عليه اي انفعال .
وافقها الجميع على هذا الكلام .
كما ان الشرطة وافقوها ايضا فقد ارتابو في برود السيد سبينلو الى الحد الذي لم يضيعوا معه اي وقت في التحقق من الحالة التي يعيشها الرجل نتيجة وفاة زوجته وعندما اكتشفوا ان السيدة كانت ثرية وان ثروتها ستذهب الى زوجها بموجب وصية كتبتها بعد زواجها منه بوقت قصير ازدادت شكوكهم عما كانت عليه .
أما لانسة ماربل ذات الوجه اللطيف (وهي العانس العجوز التي تعيش في البيت المجاور لبيت القس) فقد قابلها الشرطة في وقت مبكر جدا ... خلال نصف ساعة من اكتشاف الجرمة وقد جاءها الشرطي بولك وهو يقلب دفتر ملاحظاته بشمل يوحي بأهميته وقال : إن لم يكن عندك مانع يا سيدتي فلدي بعض الاسئلة اريد طرحها عليك .
قالت الانسة ماربل : بخصوص مقتل السيدة سبينلو؟
جفل بولك وقال : هل لي ان اسئلك كيف عرفت بهذا الأمر يا سيدتي؟
- السمكة
كان الرد مفهوما تماما بانسبة للشرطي بولك وقد افترض - بصورة صحيحة - ان صبي السماك هو الذي اخبرها بالخبر عندما احضر لها السمك في المساء .
اكملت الانسة ماربل بلطف : كانت ممددة على الارض في غرفة الجلوس, مخنوقة... وربما كان ذلك بحزام رفيع جدا ولكن اداة الجريمة لم تكن موجودة .
ظهر الغضب على وجه بولك : كيف عرف ذلك الصغير فريد بكل شئ...
قاطعته الانسة ماربل بلباقة قائلة : في سترتك دبوس .
نظر الضابط بولك إلى سترته مدهوشا وقال : إنهم يقولون : شاهد دبوسا والتقطه وانظر كيف سيكون حظك سعيدا طوال اليوم .
-ارجو ان يتحقق ذلك والان ماهي الاسئلة التي اردت طرحها علي ؟
تنحنح الشرطي بولك وافتعل الاهمية ثم نظر إلى دفتر ملاحظاته وقال : لقد اعطاني السيد آرثر سبينلو زوج الفقيدة اقواله وهويقول ان الانسة ماربل اتصلت به هاتفيا في الساعة الثانية والنصف (حسبما يتذكر) وطلبت منه ان ياتي اليها في الساعة الثالثة والربع لانها كانت تود استشارته بخصوص شئ معين هل هذا صحيح يا سيدتي؟
قالت النسة ماربل : بالتاكيد غير صحيح
- الم تتصلي بالسيد سبينلو الساعة الثانية والنصف؟
- لا في الثانية والنصف ولا في اي ساعة اخرى
قال بولك وهو يفتل شاربه وعلامة الرضا بادية على وجهه : آه
- وماذا قال السيد سبينلو غير هذا ؟
- افادته تقول انه جاء الى هنا كما طلبت منه وترك بيته في الساعة الثالثة وعشر دقائق ولدى وصوله الى هما اخبرته الخادمة بأن الانسة ماربل ليست في البيت .
- هذا الجزء من الفادة صحيح جاء الى هنا فعلا لكني كنت احضر اجتماعا للجمعية النسائية .
- آه
صاحت الانسة ماربل : اخبرني ايها الشرطي هل تشكون في السيد سبينلو؟
- ليس من صلاحيتي قول هذا في الوقت الحالي ولكن يبدو لي دون تسمية أسماء ان احدهم يحاول ان يكون ان يكون بارعا
قالت الانسة ماربل متأملة : السيد سبينلو؟
كانت تحب السيد سبينلو كان رجلا ضئيل الجسم نحيفا ورسميا تقليديا في كلامه وكان مثالا للاحترام وقد بدا غريبا ان يختار المجئ للعيش في الريف فمن الواضح انه عاش في المدن طوال حياته وقد كشف للانسة ماربل عن سبب ذلك إذ قال لها : كنت أعتزم - منذ ان كنت صبيا صغيرا - العيش في الريف يوما من الايام وان تكون لي حديقتي الخاصة وكنت احب الأزهار كثيرا . وقد كانت لزوجتي - كما تعلمين - محل لبيع الورود وهناك رأيتها لاول مرة .
كلام واقعي مجرد وقد فتح المجال أمام صور رومنسية عديدة صور السيدة سبينلو وهي اصغر عمرا واجمل ترى في اطار من الورود والازهار .
ولكن السيد سبينلو لم يكن يعرف شيئا عن الزهار لم تكن عنده اي فكرة عن البذور وتقليم الازهار وزراعتها ولا عن النباتات الحولية او النباتات المعمرة لم تكن لديه سوى رؤية في ذهنه... رؤية لحديقة منزلية صغيرة تزدحم بازهار ذات روائح عطرة والوان براقة وكان يطلب النصائح في هذا الشأن بصورةتكاد تثير الشفقة وكان يسجل ردود الانسة ماربل على اسئلته في دفتر صغير .
كان رجلا ذا اسلوب هادئ وربما كانت هذه هي الصفة التي جعلت الشرطة يهتون بأمره عندما وجدت زوجته مقتولة . ومع الصبر والمثابرة علموا الكثير عن السيدة سبينلو الراحلة... وسرعان ما عرفت قرية سينت ميري ميد بأسرها كل هذا الكثير .
كانت السيدة سبينلو قد بدأت حياتها خادمة غير متفرغة في بيت كبير وقد تركت ذلك العمل لتتزوج مساعد البستاني وافتتحت معه محلا لبيع الزهور في لندن وقد ازدهر المحل ولكن صحة البستاني لم تزدهر وما لبث ان مرض ومات واستمرت أرملته في ادارة المحل وتوسعت فيه بطريقة طموحة وواصل عملها ازدهاره ثم باعت المحل بسعر مغر وعمدت إلى الزواج للمرة الثانية... بالسيد سبينلو وهو صائغ مجوهرات في اواسط عمره ورث شركو صغيرة تكافح من اجل البقاء ولم يمض وقت طويل حتى باع الاثنان الشركة وقدما الى قرية سينت ميري ميد .
كانت السيدة سبينلو امرأة غنية نتيجة ارباحها التي جنتها من محل الزهور الذي افتتحته (( بإلهام روحاني)) كما كانت تقول لكل من هب ودب وقد نمت جميع استثماراتها وازدهر بعضها بطريقة مثيرة تماما وعندما جائت الى سينت ميري ميد أصابتها مسحة من التدين وباتت كثيرة التردد على الكنيسة وصارت تهتم بالأحداث المحلية وتشارك في لعبة البريدج السائدة في القرية. حياة رتيبة عادية. وفجأة... جريمة قتل .
-----------------------------------------------------------
كان قائد الشرطة الكولونيل ميلشيت قد استدعى المفتش سلاك . وكان سلاك رجلا شديد الثقة بنفسه وعندما يصل الى قناعة تراه واثقا من امره وقد كان الآن واثقا تماما إذ قال : الزوج هو الذي فعلها يا سيدي
- أتظن ذلك ؟
- انا متاكد منه تماما يكفي ان تنظر اليه فالذنب مكتوب على جبينه وهو لم يظهر اية علامة على الحزن أو العاطفة ابدا لقد عاد الى البيت وهو يعلم انها ميتة !
- الم يكن من شأنه - لو صح ذلك - ان يمثل دور الزوج المفجوع على الأقل ؟
- هو ليس من هذه النوعية يا سيدي فهو مغرور معجب بنفسه إن بعض الرجال لا يستطيعون التمثيل ويكونون شديدي الجدية
- أتوجد في حياته أية امرأة اخرى؟
- لم نستطع العثور على أثر لأي امرأة إنه من النوع البارع -بالطبع- ومن شأنه إخفاء تحركاته وانا ارى انه من سئم من زوجته لقد كانت هي التي تملك المال وأظن انها امراة يصعب العيش معها... ولذلك قرر بأعصاب باردة التخلص منها والعيش بمفرده مرتاحا .
- نعم ربما كانت القضية على هذا النحو
- أؤكد لك ان هذا هو ما حصل لقد وضع خططه بحرص فتظاهر بأنه تلقى مكالمة هاتفية...
قاطعه ميلشيت : هل تتبعتم حصول أية مكالمة هاتفية؟
- لم نعثر على اي اثر لاي مكالمة ياسيدي وهذا يعني أحد أمرين : اما انه يكذب أو ان المكالمة كانت من هاتف عمومي . الهاتفان العموميان الوحيدان في القرية أحدهما في محطة القطارات
والآخر في مكتب البريد ومن المؤكد أن المكالمة لم تتم من مكتب البريد ؛ فالسيدة بليد ترى كل من يدخل هناك . أما المحطة فربما فالقطار يصل في الساعة الثانية وسبع وعشرين دقيقة ويكون هناك بعض الازدحام وقتها . ولكن الشئ الغريب أنه يقول ان الانسة ماربل هي التي خابرته وهذا ليس صحيحا بالتاكيد فالمكالمة لم تات من بيتها كما انها كانت خارج البيت في الجمعية في ذلك الوقت .
- الست تغفل إمكانية قيام احدهم بإبعاد الزوج عن بيته متعمدا... حتى يتسنى له قتل السيدة سبينلو؟
- لعلك تفكر في الشاب تيد جيرارد ياسيدي اليس كذلك ؟ لقد تحققت في امره ولكن ما يواجهنا في هذه الحالة هو عدم وجود دافع ياسيدي فهو لا يستفيد شيئا من موتها
- ومع ذلك فهو شجصية كريهة وفي سجله عملية اختلاس مبلغ لا بأس به من المال .
- انا لا اقول إنه مستقيم ومع ذلك فقد ذهب الى رئيسه في العمل واعترف بعملية الاختلاس تلك... مع ان اصحاب العمل لم ينتبهوا لذلك في البداية
- سمعت انه صار عضوا في جماعة اكسفورد الدينية
- نعم ياسيدي ولعل ضميره قد انبه بسبب تدينه فذهب مباشرة لإبراء ذمته واعترف بسرقة المال ولكنني لا استبعد ان يكون ذلك مجرد دهاء منه فربما ظن ان الشبهات تدور حوله فقرر المقامرة بإظهار توبته الصادقة .
- ان لديك عقلا شكاكا يا سلاك على فكرة هل تحدثت مع الانسة ماربل؟
- وما علاقتها هي بالأمر ياسيدي؟
- آه لا شئ ولكنها تسمع أشياء كثيرة لم لا تذهب وتتحدث معها؟ إنها عجوز ذكية جدا .
غير سلاك مجرى الحديث قائلا : كنت اعتزم سؤالك عن شئ ياسيدي بالنسبة لوظيفة الخدمة المنزلية التي بدات بها القتيلة حياتها العميلة... في بيت السير روبرت أبر كرومبي. هناك وقت عملية السطو على المجوهرات (وكانت من الزمرد الثمين) ولم يتم العثورعلى المجرمين لقد تقصيت هذا الامر ولابد من ان العملية قد وقعت عندما كانت السيدة سبينلو هناك رغم انها كانت فتاة صغيرة آنذاك اتحسب انها كانت متورطة في الامر ياسيدي؟ لقد كان السيد سبينلو - كما تعلم - من اولئك الصاغة الصغار التافهين... ممن يمكن ان تدورحولهم الشبهات .
هز ميلشيت رأسه بالنفي وقال : لا احسبان في هذا الامر شيئا بل انها لم تكن تعرف سبينلو في ذلك الوقت . نعم اتذكر القضية كان رأي الشرطة ان احد ابناء صاحب البيت هو المتورط في ذلك العمل واسمه جيم أبر كرومبي كان شابا مبذرا جدا وكانت عليه ديون متراكمة وقد تم الوفاء بالديون بعد السرقة مباشرة وقالوا ان امراة غنية هي التي سددت الديون ولكن لا اعرف... فقد عمد أبر كرومبي العجوز إلى التستر على القضية قليلا وحاول وقف الشرطة عن متابعة التحقيقات .
قال سلاك : كانت مجردة فكرة ياسيدي .
-----------------------------------------------------------------
استقبلت الانسة ماربل المفتش سلاك بسرور خاصة عتدما علمت ان الكولونيل ميلشيت هو الذي ارسله : هذا لطف كبيرحقا من الكولونيل ميلشيت لم اعرف انه مازال يتذكرني.
- إنه يتذكرك تماما وقد قال لي إن ما لا تعرفينه عما يجري في سينت ميري ميد لا يستحق المعرفة
- هذا لطف كبير منه ولكني لا اعرف شيئا ابدا اقصد بخصوص هذه الجريمة.
- تعرفين ماذا يتحدث الناس حول هذا الامر.
- آه طبعا... ولكن لا فائدة من ترديد الاقاويل أليس كذلك ؟
قال سلاك محاولا اظهار اللطف : هذا ليس حديثا رسميا بيننا إنه كلام خاص
- تقصد انك تريد معرفة ما يقوله الناس حقا سواء كان صحيحا أو لا؟
- هذه هي الفكرة
- حسنا لقد دار الكثير من الحديث والتخمين بالطبع والحق انه يوجد معسكران متميزان فهناك - أولا - من يعتقد ان الزوج هو الذي فعلها فالزوج او الزوجة هما من تقع عليهما الشبهة في مثل هذه الاحوال الا ترى ذلك ؟
أجابها المفتش بحذر : ربما
- ذلك انهما يكونان على مقربة شديدة كل من الآخر... بالاضافة غلى وجود جانب المال في احيان كثيرة لقد سمعت ان السيدة سبينلو هي التي كانت تملك الاموال ولذلك فان السيد سبينلو يستفيد من موتها ؛وفي هذا العالم الفاسد يمكن - غالبا - إيجاد المبرر لأكثر الافتراضات قسوة.
- سيحصل على مبلغ جيد
- هذا صحيح قد يبدو من الممكن ان يخنقها ويخرج من البيت من الخلف فيعبر الحقول إلى بيتي ثم يطلب رؤيتي زاعما انه تلقى مكالمة هاتفية مني ثم يعود ويجد زوجته مقتولة في غيابه... آملا طبعا ان تنسب المشرد او سارق
أوما المفتش برأسه مواقا وقال : ماذا عن جانب المال ؟ وهل كانا على علاقة سيئة في الفترة الاخيرة؟
قاطعته الانسة ماربل : آه لكنهما لم يكونا كذلك
- هل انت متاكدة من هذه الحقيقة؟
- لو تشاجرا لكان من شان الجميع معرفة ذلك! كان من شأن الخادمة غلاديس أن تنشر الخبر في القرية في الحال
قال المفتش بصوت واهن : ربما لم تعرف...
ولكنه تلقى ابتسامة شفقة ردا على عبارته واكملت الانسة ماربل حديثها : ثم هناك معسكر التخمينات الآخر التي يتهم تيد جيرارد انه شاب وسيم وأخشى ان تاثير الوسامة على المرء اكبر مما ينبغي! لقد دار الحديث حوله بالطبع وقد كان يأتي لرؤيتها كثيرا رغم ان السيدة سبينلو اخبرتني بنفسها انه كان عضوا في مايسمونه جماعة اكسفورد كما اظن. انها حركة دينية واظن ان اعضاءها شديدو الاخلاص والاستقامة وقد تاثرت السيدة سبينلو بهذا الامر.
سحبت الانسة ماربل نفسا ثم اكملت : كما انني واثقة من عدم وجود سبب للاعتقاد بوجود شئ آخر في هذا الامر ولكنك تعرف طبيعة الناس كثير من الناس مقتنعون بان السيدة سبينلو قد افتتنت بالشاب واقرضته مبلغا كبيرا من المال كما ان من الصحيح تماما انه شوهد بالفعل في المحطة في ذلك اليوم لقد كان في القطار... قطارالثانية وسبع وعشرين دقيقة ولكن من السهل تماما -بالطبع- ان ينزل من الجانب الآخر من القطار ويذهب من خلال تلك الثغرة في الشبك الحديدي ثم يتسلق السياج ولا يخرج من مدخل محطة القطار ابدا.
- وهل يقول الناس شيئا آخر؟
- انهم يرون ان الملابس التي كانت السيدة سبينلو ترتديها كانت غريبة.
- غريبة؟
قالت الانسة ماربل وقد احمر وجهها : كانت ترتدي رداء كذلك الذي يلبس بعد الحمام وليس ثوبا عاديا وربما كان مثل هذا الامر ذا مغزى عند بعض الناس.
- اتظنينه ذا مغزى بالفعل؟
- آه, لا, لا اظن ذلك اعتقد انه كان امرا طبيعيا تماما .
- اتحسبينه كان طبيعيا؟
- في ظل تلك الظروف نعم اظنه كذلك
كانت نظرة الانسة ماربل فاترة ومتأملة .
قال المفتش سلاك : ربما يعطينا ذلك دافعا آخر للزوج وهو الغيرة.
- آه لا ليس من شأن السيد سبينلو ان يكون غيورا ابدا انه ليس من النوع الذي يلاحظ الامور ولئن خرجت زوجته وتركت له رسالة على تلك الكرة القماشية التي تغرز بها الدبابيس - مثلا - لكانت تلك اول مرة يعرف بها بوجود مثل تلك الكرة .
كان المفتش سلاك متحيرا من الطريقة الجدية ذت المغزى التي كانت تنظربها إليه رأى ان القصد من كل حديثها هو التلميح الى شئ لم يفهمه
وأخيرا قالت بشئ من التشديد : الم تعثروا انتم على اي دليل ايها المفتش... في مكان الجريمة؟
- الناس لا يتركون في هذه الايام بصمات اصابعهم يا انسة ماربل؟
- ولكني اظن هذه كانت جريمة قتل من الطراز القديم
قال سلاك بحدة : ماذا تقصدين بهذا؟
قالت الانسة ماربل ببطء : اظن ان بوسع الشرطي بولك ان يساعدك فقد كان اول شخص يأتي إلى... إلى ((مسرح الجريمة)) كما يقال.
--------------------------------------------------
كان السيد سبينلو يجلس على كرسي خشبي وقد بدا شديد الحيرة . قال بصوته الرفيع الدقيق : ربما كان هذا مجرد خيال مني لما حدث بالطبع ان سمعي ليس كما كان ولكنني ظننت انني سمعت ولدا صغيرا يناديني قائلا : ((ياه من هو الفاعل؟)) وقد ترك ذلك لدي انطباعا بأنه يظن انني انا... انا الذي قتلت زوجتي العزيزة.
قالت الانسة ماربل وهي تقطع وردة ذابلة : كان قصده إيصال ذلك الانطباع دون شك.
- ولكن ما الذي وضع هذه الفكرة في راس هذا الطفل ؟
تنحنحت الانسة ماربل وقالت : لا شك انه كان يستمتع الى آراء من هم اكبر منه
- اتظنين... اتظنين حقا ان الناس الآخرين يرون ذلك ايضا؟
- نصف سكان سينت ميري ميد تماما
- ولكن يا سيدتي العزيزة ما الذي يمكن ان يكون سببا في ظهور هذه الفكرة؟ لقد كنت احب زوجتي حبا خالصا. صحيح انها -للأسف- لم تتكيف مع العيش في الريف مثلما كنت اتمنى ولكن الاتفاق التام على كل موضوع امر مستحيل أؤكد لك انني اشعر بفقدانها شعورا شديدا .
- ربما ولكن اسمح لي ان اقول إن ذلك لا يبدو عليك.
انتصب السيد سبينلو في جلسته وقال : يا سيدتي العزيزة قبل عدة سنوات قرأت عن فيلسوف صيني توفيت زوجته التي كان يحبها ولكنه واصل -بهدوء- قرع الجرس في الشارع كعادته... واحسب ان تلك كانت تسلية صينية مألوفة وقد تاثر الناس كثيرا بجلده وقوة احتماله.
- لكن رد فعل الناس في سينت ميري ميد ختلف تماما إن الفلسفة الصينية لا تروق لهم.
- ولكنك تفهمين؟
أومأت الاسة ماربل برأسها وقالت : كان عمي هنري غير عادي في ضبط نفسه وكان شعاره هو (لا تظهر عواطفك ابدا)). وكان هوالآخر يحب الازهار كثيرا.
قال السيد سبينلو بشئ اشبه باللقهة : كنت افكر في عمل تعريشة على الجانب الغربي للبيت عرائش ذات ورود قرنفلية وهناك أزهار بيضاء نجمية الشكل لا يحضرني اسمها الآن...
قالت الآنسة ماربل بنبرة من تتحدث مع حفيد أختها ابن الثلاثة الاعوام : عندي كتاب جميل جدا فيه صور ربما سرك ان تتصفحه... علي ان اذهب الى القرية.
تركت الانسة ماربل السيد سبينلو جالسا في الحديقة مع الكتاب ذي الصور وصعدت الى غرفتها فلفت ثوبا في قطعة من الورق البني بسرعة
وغادرت البيت مسرعة الى مكتب البريد.
كانت خياطة الملابس الانسة بوليت تعيش في شقة فوق مكتب البريد ولكن الانسة ماربل لم تصعد الى الشقة على الفور كانت الساعة ما تزال الثانية والنصف فقط وبعد دقيقة واحدة ستصل حافلة ماتش بنهام امام مكتب البريد وقد كان وصولها يعد واحدا من الاحداث اليومية في قرية سينت ميري ميد اسرعت موظفة البريد خارج المكتب تحمل اكياسا،اكياسا تتعلق بالجانب التجاري من عملها حيث ان مكتب البريد كان يتعامل
ايضا بالحلوى والكتب الرخيصة ولعب الاطفال.
وبقيت الانسة ماربل في مكتب البريد وحدها نحوا من اربع دقائق ولم تصعد الى شقة الانسة بوليت الا بعد عودة موظفة البريد الى موقعها وفي الطابق العلوي اوضحت للانسة بوليت انها تريد تغيير ثوبها الرمادي القديم بحيث تعمل منه طرازا جديدا ان امكن وقد وعدت الانسة بوليت ان ترى ما يمكن عمله.
----------------------------------------------
دهش قائد الشرطة قليلا عندما حملوا له اسم الانسة ماربل . دخلت عليه وهي تعتذر قائلة : انا اسفة جدا ... اسفة جدا جدا على ازعاجك. اعرف انك مشغول جدا ولكنك كنت دوما شديد اللطف يا كولونيل ميلشيت وقد احسست ان من الفضل ان آتي اليك بدل المفتش سلاك لسبب واحد وهو انني اكره ان يقع الشرطي بولك في اية متاعب وبصراحة اظن انه كان يجب الا يلمش شيئا على الاطلاق.
احتار الكولونيل ميلشيت بعض الشئ وقال : بولك؟ اليس هو شرطي القرية؟ ماذا كان يفعل؟
- لقد التقط دبوسا وكان مغروسا في سترته وقد خطر لي -وقتها- ان من المحتمل ان يكون قد التقطه عن الارض في بيت السيدة سبينلو.
- تماما، تماما ولكن ما هو الدبوس في نهاية الامر؟ الواقع انه التقط الدبوس عن الارض قرب جثة السيدة سبينلو وقد جاء واخبر سلاك عنه بالامس... وقد فهمت انك انت التي دفعته للابلاغ عنه اليس كذلك؟ ما كان له ان يلمس شيئا بالطبع ولكن كما قلت ماهي اهمية الدبوس؟ كان مجرد دبوس عادي... من النوع الذي تستخدمه اية امرأة.
- آه لا يا كولونيل ميلشيت انت مخطئ في هذا. ربما بدا مجرد دبوس عادي في اعين الرجال ولكنه لم يكن كذلك كان دبوسا خاصا, دبوسا رفيعا جدا انه من النوع الذي تشتريه في علبة... النوع الذي يستخدمه الخياطون في الغالب.
حدق ميلشيت إليها وقد بدا شئ من الفهم يراوده فأومأت الانسة ماربل براسها عدة مرات بلهفة وقالت : نعم بالطبع يبدو لي الامر واضحا تماما لقد كانت القتيلة تلبس الرداء المنزلي الذي يسهل نزعه لانها كانت بصدد قياس ثوبها الجديد وقد ذهبت الى الغرفة الامامية حيث قالت لها الانسة بوليت شيئا ثم وضعت مترالقياس حول رقبتها... ثم لم يكن عليها الا ان تشده وهو امر سهل جدا كما سمعت! ومن شأنها بعد ذلك ان تخرج وتغلق الباب وتقف في الخارج تدقه وكأنها قد وصلت لتوها ولكن الدبوس يثبت انها كانت موجودة داخل البيت اصلا .
- وهل الانسة بوليت هي التي خابرت سبينلو؟
- نعم من مكتب البريد في الساعة الثانية والنصف قي الوقت التي تصل فيه الحافلة ويكون مكتب البريد خاليا .
- ولكن ياسيدتي العزيزة لماذا؟ لماذا بالله عليك؟ لا يمكنك ان ترتكبي جريمة قتل دون وجود دافع.
- اظن -من كل ماسمعته- ان الجريمه تعود الى زمن بعيد يا حضرة الكولونيل هذا يذكرني باثنين من اولاد اعمامي أنتوني وغوردن كان انتوني ينجح في كل عمل يقوم به ولكن المسكين غوردن كانت تجري على عكس مايريد دائما فكانت خيوله تكبو في السباقات واسعاراسهمه تنخفض وعقاراته تفقد قيمتها .وانا ارى ان الامرأتين مشتركتان في الامر معا.
- اي امر؟
- السرقة... منذوقت طويل سرقة مجوهرات زمرد ثمينة جدا كما سمعت . خادمة السيدة والخادمة غير المتفرغة لان شيئا واحدا لم يتم تفسيره... فعندما تزوجت الخادمة البستاني كيف حصلا على المال لافتتاح محل لبيع الزهور؟ الاجابة هي ان المال كان حصتها من ال... من الغنيمة وبعد ذلك كل شئ كانت تفعله كان ينجح والمال يصنع المال ولكن الاخرى خادمة السيدة كانت غير محظوظة دون شك إذ ساءت معها الامور الى حد اصبحت معه مجرد خياطة ملابس في قرية ! ثم التقتا ثانية واظن ان اللقاء كان طبيعيا تماما في البداية إلى ان ظهر السيد تيد جيرارد على مسرح الاحداث كانت السيدة سبينلو تعاني اصلا من وخز الضمير ولا شك ان هذا الشاب قد حثها على ان (( تواجه نفسها )) وان تتطهر من ذنوبها واظن انها تابهت لفعل ذلك ولكن الانسة بوليت لم ترالامرعلى النحو كل ما رأته هو انها قد تدخل السجن بسبب سرقة ارتكبتها منذ امد بعيد ولذلك فقد قررت ان تضع حدا لكل هذا واخشى انها كانت دائما امرأة شريرة ولا اظنها كانت ستهتم ابدا لو تم اعدام ذلك السيد اللطيف الغبي سبينلو.
قال الكولونيل ميلشيت ببطء: يمكننا التحقق من نظريتك هذه... الى حد ما. وذلك بمطابقة هوية الانسة بوليت هذه مع خادمة السيدة أبركرومبي ولكن...
طمأنته النسة ماربل : سيكون هذا سهل جدا انها من النوع الذي ينهار على الفور إذا ما ووجهت بالحقيقة ثم انني احضرت متر القياس الذي تستخدمه. لقد... لقد اخذته بالامس عندما كنت اقيس ثوبا وعندما تفقده وتظن انه بيد الشرطة... فسوف ترى انه سيثبت القضية بطريقة ما. انها امراة جاهلة تماما !
ابتسمت له مشجعة وقالت : أؤكد لك انك لن تجد اي مشكلة.
كانت هذه نفس النبرة التي طمأنته بها عمته الحبيبة ذات يوم عندما اكدت له انه لن يفشل في امتحان دخول كلية ساندهيرست .
وقد نجح في الامتحان فعلا.
النهاية
أمسكت الآنسة بوليت مطرقة الباب وضربت بها باب البيت ضربات خفيفة وبعد فترة قصيرة ضربت ثانية. تحرك الكيس من تحت ذراعها الأيسر قليلا وهي تطرق الباب فقامت بتعديله وكان في داخل الكيس الثوب الشتوي الأخضر الجديد للسيدة سبينلو وهو جاهز لقياسه وكانت تتدلى من يد الآنسة بوليت اليسرى حقيبة من الحرير الأسود تحتوي على متر قياس ومقص كبير .
كانت الآنسة بوليت طويلة القامة نحيلة ذات أنف رفيع وشفتين مزمومتين وشعر أشيب خفيف وقد ترددت قبل أن تدق على الباب للمرة الثالثة وعندما نظرت إلى الشارع رات واحدة تقترب منها بسرعة .
صاحت الآنسة هارتنيل (وهي سيدة مرحة مسفوعة الوجه في الخامسة والخمسين من العمر) بصوتها العالي المعتاد : مساء الخير آنسة بوليت!
واجابتها الخياطة : مساء الخير يا آنسة هارتنيل .
كان صوتها رفيع جدا وهادئ النبرات وأكملت تقول : أرجو المعذرة ولكن هل لديك فكرة إن كانت السيدة سبينلو خارج البيت؟
- لا أعرف أبدا
- إنه أمر محرج بعض الشيء يفترض ان تقيس السيدة سبينلو ثوبها الجديد عصر اليوم وقد طلبت مني أن آتي إليها في الساعة الثالثة والنصف
نظرت الآنسة هارتنيل إلى ساعتها وقالت : لقد تجاوزت الثالثة والنصف بقليل .
- نعم لقد طرقت الباب ثلاث مرات ولكن لا يبدو أن في الداخل أحدا ولذلك تساءلت إن كانت السيدة سبينلو قد خرجت من بيتها ونسيت الموعد إنها لا تنسى مواعيدها عموما كما أنها كانت تريد لبس الثوب بعد غد .
عبرت الآنسة هارتنيل البوابة واتجهت صوب الآنسة بوليت عند باب البيت وسألتها : لماذا لا تفتح غلاديس الباب؟ آه اليوم هو الثلاثاء وهو يوم عطلتها أظن السيدة سبينلو نائمة ها طرقت البوابة بقوة؟
أمسكت المطرقة وطرقت بها الباب طرقات تصم الآذان كما ضربت الباب بيدها ضربات قوية أيضا وصاحت تنادي بصوت جهوري :من بالداخل ............... ولكن لم ترد أي اجابة .
تمتمت الآنسة بوليت : آه لا شك أن السيدة سبينلو قد نسيت الموعد وخرجت سآتي إليها في وقت آخر ............... ثم استدارت لتعود أدراجها نحو البوابة الخارجية .
قالت الآنسة هارتنيل بقوة : هراء لا يمكن أن تكون قد خرجت فلو خرجت لالتقيت بها سأنظر من النافذة وأرى ان كان في البيت أحد .
ضحطت بأسلوبها المبتهج المعتاد لتوضح أنها مجرد مزحة ثم نظرت من خلال أقرب نافذة لا مبالية لأنها كانت تعرف جيدا أن الغرفة الأمامية نادرا ما تستخدم ذلك لأن السيد سبينلو وزوجته يفضلان الجلوس في غرفة الجلوس الصغيرة الخلفية .
ورغم أنها كانت نظرة لا مبالية الا انها نجحت في تحقيق الهدف منها بالفعل لم تر الانسة هارتنيل أثرا للحياة داخل البيت وعلى العكس من ذلك فقد رأت من خلال النافذة السيدة سبنيلو ممدة على السجادة الصغيرة أمام الموقد ... ميتة .
--------------------------------------------------------
قالت الانسة هارتنيل وهي تحكي القصة فيما بعد : تمكنت - طبعا - من ضبط نفسي واستخدام عقلي لم يكن من شان تلك المخلوقة بوليت ان تعرف كيف تتصرف فقلت لها إن علينا ان نحافظ على رباطة جأشنا وطلبت منها ان تبقى مكانها حتى اذهب لاستدعاء الشرطى بولك وقد قالت شيئا عن عدم رغبتها في لبقلء وحدها لكني لم ألتفت لكلامها على الاطلاق يجب على المرء ان يكون صلبا مع مثل هؤلاء الاشخاص وقد وجدت - دائما - ان امثالها يحبون عمل ضجة ولذلك كنت على وشك المغادرة في نفس اللحظة التي اتى بها السيد سبينلو من عند زاوية البيت .............. سكتت الانسة هارتنيل سكتة ذات دلالة مما شجع محدثها على سؤالها بانفس لاهثة : أخريني كيف كان يبدو؟
وعدها كان من شأن الانسة هارتنيل ان تكمل قائلة : بصراحة شككت بوجود شئ في الامر على الفور كان هادئا غلى ابعد حدود ولم يبد انه قد فوجئ بأي شكل ولكم ان تقولوا ماتشاؤون ولكن ليس من الطبيعي ان يسمع رجل ان زوجته قد ماتت ولا يظهر عليه اي انفعال .
وافقها الجميع على هذا الكلام .
كما ان الشرطة وافقوها ايضا فقد ارتابو في برود السيد سبينلو الى الحد الذي لم يضيعوا معه اي وقت في التحقق من الحالة التي يعيشها الرجل نتيجة وفاة زوجته وعندما اكتشفوا ان السيدة كانت ثرية وان ثروتها ستذهب الى زوجها بموجب وصية كتبتها بعد زواجها منه بوقت قصير ازدادت شكوكهم عما كانت عليه .
أما لانسة ماربل ذات الوجه اللطيف (وهي العانس العجوز التي تعيش في البيت المجاور لبيت القس) فقد قابلها الشرطة في وقت مبكر جدا ... خلال نصف ساعة من اكتشاف الجرمة وقد جاءها الشرطي بولك وهو يقلب دفتر ملاحظاته بشمل يوحي بأهميته وقال : إن لم يكن عندك مانع يا سيدتي فلدي بعض الاسئلة اريد طرحها عليك .
قالت الانسة ماربل : بخصوص مقتل السيدة سبينلو؟
جفل بولك وقال : هل لي ان اسئلك كيف عرفت بهذا الأمر يا سيدتي؟
- السمكة
كان الرد مفهوما تماما بانسبة للشرطي بولك وقد افترض - بصورة صحيحة - ان صبي السماك هو الذي اخبرها بالخبر عندما احضر لها السمك في المساء .
اكملت الانسة ماربل بلطف : كانت ممددة على الارض في غرفة الجلوس, مخنوقة... وربما كان ذلك بحزام رفيع جدا ولكن اداة الجريمة لم تكن موجودة .
ظهر الغضب على وجه بولك : كيف عرف ذلك الصغير فريد بكل شئ...
قاطعته الانسة ماربل بلباقة قائلة : في سترتك دبوس .
نظر الضابط بولك إلى سترته مدهوشا وقال : إنهم يقولون : شاهد دبوسا والتقطه وانظر كيف سيكون حظك سعيدا طوال اليوم .
-ارجو ان يتحقق ذلك والان ماهي الاسئلة التي اردت طرحها علي ؟
تنحنح الشرطي بولك وافتعل الاهمية ثم نظر إلى دفتر ملاحظاته وقال : لقد اعطاني السيد آرثر سبينلو زوج الفقيدة اقواله وهويقول ان الانسة ماربل اتصلت به هاتفيا في الساعة الثانية والنصف (حسبما يتذكر) وطلبت منه ان ياتي اليها في الساعة الثالثة والربع لانها كانت تود استشارته بخصوص شئ معين هل هذا صحيح يا سيدتي؟
قالت النسة ماربل : بالتاكيد غير صحيح
- الم تتصلي بالسيد سبينلو الساعة الثانية والنصف؟
- لا في الثانية والنصف ولا في اي ساعة اخرى
قال بولك وهو يفتل شاربه وعلامة الرضا بادية على وجهه : آه
- وماذا قال السيد سبينلو غير هذا ؟
- افادته تقول انه جاء الى هنا كما طلبت منه وترك بيته في الساعة الثالثة وعشر دقائق ولدى وصوله الى هما اخبرته الخادمة بأن الانسة ماربل ليست في البيت .
- هذا الجزء من الفادة صحيح جاء الى هنا فعلا لكني كنت احضر اجتماعا للجمعية النسائية .
- آه
صاحت الانسة ماربل : اخبرني ايها الشرطي هل تشكون في السيد سبينلو؟
- ليس من صلاحيتي قول هذا في الوقت الحالي ولكن يبدو لي دون تسمية أسماء ان احدهم يحاول ان يكون ان يكون بارعا
قالت الانسة ماربل متأملة : السيد سبينلو؟
كانت تحب السيد سبينلو كان رجلا ضئيل الجسم نحيفا ورسميا تقليديا في كلامه وكان مثالا للاحترام وقد بدا غريبا ان يختار المجئ للعيش في الريف فمن الواضح انه عاش في المدن طوال حياته وقد كشف للانسة ماربل عن سبب ذلك إذ قال لها : كنت أعتزم - منذ ان كنت صبيا صغيرا - العيش في الريف يوما من الايام وان تكون لي حديقتي الخاصة وكنت احب الأزهار كثيرا . وقد كانت لزوجتي - كما تعلمين - محل لبيع الورود وهناك رأيتها لاول مرة .
كلام واقعي مجرد وقد فتح المجال أمام صور رومنسية عديدة صور السيدة سبينلو وهي اصغر عمرا واجمل ترى في اطار من الورود والازهار .
ولكن السيد سبينلو لم يكن يعرف شيئا عن الزهار لم تكن عنده اي فكرة عن البذور وتقليم الازهار وزراعتها ولا عن النباتات الحولية او النباتات المعمرة لم تكن لديه سوى رؤية في ذهنه... رؤية لحديقة منزلية صغيرة تزدحم بازهار ذات روائح عطرة والوان براقة وكان يطلب النصائح في هذا الشأن بصورةتكاد تثير الشفقة وكان يسجل ردود الانسة ماربل على اسئلته في دفتر صغير .
كان رجلا ذا اسلوب هادئ وربما كانت هذه هي الصفة التي جعلت الشرطة يهتون بأمره عندما وجدت زوجته مقتولة . ومع الصبر والمثابرة علموا الكثير عن السيدة سبينلو الراحلة... وسرعان ما عرفت قرية سينت ميري ميد بأسرها كل هذا الكثير .
كانت السيدة سبينلو قد بدأت حياتها خادمة غير متفرغة في بيت كبير وقد تركت ذلك العمل لتتزوج مساعد البستاني وافتتحت معه محلا لبيع الزهور في لندن وقد ازدهر المحل ولكن صحة البستاني لم تزدهر وما لبث ان مرض ومات واستمرت أرملته في ادارة المحل وتوسعت فيه بطريقة طموحة وواصل عملها ازدهاره ثم باعت المحل بسعر مغر وعمدت إلى الزواج للمرة الثانية... بالسيد سبينلو وهو صائغ مجوهرات في اواسط عمره ورث شركو صغيرة تكافح من اجل البقاء ولم يمض وقت طويل حتى باع الاثنان الشركة وقدما الى قرية سينت ميري ميد .
كانت السيدة سبينلو امرأة غنية نتيجة ارباحها التي جنتها من محل الزهور الذي افتتحته (( بإلهام روحاني)) كما كانت تقول لكل من هب ودب وقد نمت جميع استثماراتها وازدهر بعضها بطريقة مثيرة تماما وعندما جائت الى سينت ميري ميد أصابتها مسحة من التدين وباتت كثيرة التردد على الكنيسة وصارت تهتم بالأحداث المحلية وتشارك في لعبة البريدج السائدة في القرية. حياة رتيبة عادية. وفجأة... جريمة قتل .
-----------------------------------------------------------
كان قائد الشرطة الكولونيل ميلشيت قد استدعى المفتش سلاك . وكان سلاك رجلا شديد الثقة بنفسه وعندما يصل الى قناعة تراه واثقا من امره وقد كان الآن واثقا تماما إذ قال : الزوج هو الذي فعلها يا سيدي
- أتظن ذلك ؟
- انا متاكد منه تماما يكفي ان تنظر اليه فالذنب مكتوب على جبينه وهو لم يظهر اية علامة على الحزن أو العاطفة ابدا لقد عاد الى البيت وهو يعلم انها ميتة !
- الم يكن من شأنه - لو صح ذلك - ان يمثل دور الزوج المفجوع على الأقل ؟
- هو ليس من هذه النوعية يا سيدي فهو مغرور معجب بنفسه إن بعض الرجال لا يستطيعون التمثيل ويكونون شديدي الجدية
- أتوجد في حياته أية امرأة اخرى؟
- لم نستطع العثور على أثر لأي امرأة إنه من النوع البارع -بالطبع- ومن شأنه إخفاء تحركاته وانا ارى انه من سئم من زوجته لقد كانت هي التي تملك المال وأظن انها امراة يصعب العيش معها... ولذلك قرر بأعصاب باردة التخلص منها والعيش بمفرده مرتاحا .
- نعم ربما كانت القضية على هذا النحو
- أؤكد لك ان هذا هو ما حصل لقد وضع خططه بحرص فتظاهر بأنه تلقى مكالمة هاتفية...
قاطعه ميلشيت : هل تتبعتم حصول أية مكالمة هاتفية؟
- لم نعثر على اي اثر لاي مكالمة ياسيدي وهذا يعني أحد أمرين : اما انه يكذب أو ان المكالمة كانت من هاتف عمومي . الهاتفان العموميان الوحيدان في القرية أحدهما في محطة القطارات
والآخر في مكتب البريد ومن المؤكد أن المكالمة لم تتم من مكتب البريد ؛ فالسيدة بليد ترى كل من يدخل هناك . أما المحطة فربما فالقطار يصل في الساعة الثانية وسبع وعشرين دقيقة ويكون هناك بعض الازدحام وقتها . ولكن الشئ الغريب أنه يقول ان الانسة ماربل هي التي خابرته وهذا ليس صحيحا بالتاكيد فالمكالمة لم تات من بيتها كما انها كانت خارج البيت في الجمعية في ذلك الوقت .
- الست تغفل إمكانية قيام احدهم بإبعاد الزوج عن بيته متعمدا... حتى يتسنى له قتل السيدة سبينلو؟
- لعلك تفكر في الشاب تيد جيرارد ياسيدي اليس كذلك ؟ لقد تحققت في امره ولكن ما يواجهنا في هذه الحالة هو عدم وجود دافع ياسيدي فهو لا يستفيد شيئا من موتها
- ومع ذلك فهو شجصية كريهة وفي سجله عملية اختلاس مبلغ لا بأس به من المال .
- انا لا اقول إنه مستقيم ومع ذلك فقد ذهب الى رئيسه في العمل واعترف بعملية الاختلاس تلك... مع ان اصحاب العمل لم ينتبهوا لذلك في البداية
- سمعت انه صار عضوا في جماعة اكسفورد الدينية
- نعم ياسيدي ولعل ضميره قد انبه بسبب تدينه فذهب مباشرة لإبراء ذمته واعترف بسرقة المال ولكنني لا استبعد ان يكون ذلك مجرد دهاء منه فربما ظن ان الشبهات تدور حوله فقرر المقامرة بإظهار توبته الصادقة .
- ان لديك عقلا شكاكا يا سلاك على فكرة هل تحدثت مع الانسة ماربل؟
- وما علاقتها هي بالأمر ياسيدي؟
- آه لا شئ ولكنها تسمع أشياء كثيرة لم لا تذهب وتتحدث معها؟ إنها عجوز ذكية جدا .
غير سلاك مجرى الحديث قائلا : كنت اعتزم سؤالك عن شئ ياسيدي بالنسبة لوظيفة الخدمة المنزلية التي بدات بها القتيلة حياتها العميلة... في بيت السير روبرت أبر كرومبي. هناك وقت عملية السطو على المجوهرات (وكانت من الزمرد الثمين) ولم يتم العثورعلى المجرمين لقد تقصيت هذا الامر ولابد من ان العملية قد وقعت عندما كانت السيدة سبينلو هناك رغم انها كانت فتاة صغيرة آنذاك اتحسب انها كانت متورطة في الامر ياسيدي؟ لقد كان السيد سبينلو - كما تعلم - من اولئك الصاغة الصغار التافهين... ممن يمكن ان تدورحولهم الشبهات .
هز ميلشيت رأسه بالنفي وقال : لا احسبان في هذا الامر شيئا بل انها لم تكن تعرف سبينلو في ذلك الوقت . نعم اتذكر القضية كان رأي الشرطة ان احد ابناء صاحب البيت هو المتورط في ذلك العمل واسمه جيم أبر كرومبي كان شابا مبذرا جدا وكانت عليه ديون متراكمة وقد تم الوفاء بالديون بعد السرقة مباشرة وقالوا ان امراة غنية هي التي سددت الديون ولكن لا اعرف... فقد عمد أبر كرومبي العجوز إلى التستر على القضية قليلا وحاول وقف الشرطة عن متابعة التحقيقات .
قال سلاك : كانت مجردة فكرة ياسيدي .
-----------------------------------------------------------------
استقبلت الانسة ماربل المفتش سلاك بسرور خاصة عتدما علمت ان الكولونيل ميلشيت هو الذي ارسله : هذا لطف كبيرحقا من الكولونيل ميلشيت لم اعرف انه مازال يتذكرني.
- إنه يتذكرك تماما وقد قال لي إن ما لا تعرفينه عما يجري في سينت ميري ميد لا يستحق المعرفة
- هذا لطف كبير منه ولكني لا اعرف شيئا ابدا اقصد بخصوص هذه الجريمة.
- تعرفين ماذا يتحدث الناس حول هذا الامر.
- آه طبعا... ولكن لا فائدة من ترديد الاقاويل أليس كذلك ؟
قال سلاك محاولا اظهار اللطف : هذا ليس حديثا رسميا بيننا إنه كلام خاص
- تقصد انك تريد معرفة ما يقوله الناس حقا سواء كان صحيحا أو لا؟
- هذه هي الفكرة
- حسنا لقد دار الكثير من الحديث والتخمين بالطبع والحق انه يوجد معسكران متميزان فهناك - أولا - من يعتقد ان الزوج هو الذي فعلها فالزوج او الزوجة هما من تقع عليهما الشبهة في مثل هذه الاحوال الا ترى ذلك ؟
أجابها المفتش بحذر : ربما
- ذلك انهما يكونان على مقربة شديدة كل من الآخر... بالاضافة غلى وجود جانب المال في احيان كثيرة لقد سمعت ان السيدة سبينلو هي التي كانت تملك الاموال ولذلك فان السيد سبينلو يستفيد من موتها ؛وفي هذا العالم الفاسد يمكن - غالبا - إيجاد المبرر لأكثر الافتراضات قسوة.
- سيحصل على مبلغ جيد
- هذا صحيح قد يبدو من الممكن ان يخنقها ويخرج من البيت من الخلف فيعبر الحقول إلى بيتي ثم يطلب رؤيتي زاعما انه تلقى مكالمة هاتفية مني ثم يعود ويجد زوجته مقتولة في غيابه... آملا طبعا ان تنسب المشرد او سارق
أوما المفتش برأسه مواقا وقال : ماذا عن جانب المال ؟ وهل كانا على علاقة سيئة في الفترة الاخيرة؟
قاطعته الانسة ماربل : آه لكنهما لم يكونا كذلك
- هل انت متاكدة من هذه الحقيقة؟
- لو تشاجرا لكان من شان الجميع معرفة ذلك! كان من شأن الخادمة غلاديس أن تنشر الخبر في القرية في الحال
قال المفتش بصوت واهن : ربما لم تعرف...
ولكنه تلقى ابتسامة شفقة ردا على عبارته واكملت الانسة ماربل حديثها : ثم هناك معسكر التخمينات الآخر التي يتهم تيد جيرارد انه شاب وسيم وأخشى ان تاثير الوسامة على المرء اكبر مما ينبغي! لقد دار الحديث حوله بالطبع وقد كان يأتي لرؤيتها كثيرا رغم ان السيدة سبينلو اخبرتني بنفسها انه كان عضوا في مايسمونه جماعة اكسفورد كما اظن. انها حركة دينية واظن ان اعضاءها شديدو الاخلاص والاستقامة وقد تاثرت السيدة سبينلو بهذا الامر.
سحبت الانسة ماربل نفسا ثم اكملت : كما انني واثقة من عدم وجود سبب للاعتقاد بوجود شئ آخر في هذا الامر ولكنك تعرف طبيعة الناس كثير من الناس مقتنعون بان السيدة سبينلو قد افتتنت بالشاب واقرضته مبلغا كبيرا من المال كما ان من الصحيح تماما انه شوهد بالفعل في المحطة في ذلك اليوم لقد كان في القطار... قطارالثانية وسبع وعشرين دقيقة ولكن من السهل تماما -بالطبع- ان ينزل من الجانب الآخر من القطار ويذهب من خلال تلك الثغرة في الشبك الحديدي ثم يتسلق السياج ولا يخرج من مدخل محطة القطار ابدا.
- وهل يقول الناس شيئا آخر؟
- انهم يرون ان الملابس التي كانت السيدة سبينلو ترتديها كانت غريبة.
- غريبة؟
قالت الانسة ماربل وقد احمر وجهها : كانت ترتدي رداء كذلك الذي يلبس بعد الحمام وليس ثوبا عاديا وربما كان مثل هذا الامر ذا مغزى عند بعض الناس.
- اتظنينه ذا مغزى بالفعل؟
- آه, لا, لا اظن ذلك اعتقد انه كان امرا طبيعيا تماما .
- اتحسبينه كان طبيعيا؟
- في ظل تلك الظروف نعم اظنه كذلك
كانت نظرة الانسة ماربل فاترة ومتأملة .
قال المفتش سلاك : ربما يعطينا ذلك دافعا آخر للزوج وهو الغيرة.
- آه لا ليس من شأن السيد سبينلو ان يكون غيورا ابدا انه ليس من النوع الذي يلاحظ الامور ولئن خرجت زوجته وتركت له رسالة على تلك الكرة القماشية التي تغرز بها الدبابيس - مثلا - لكانت تلك اول مرة يعرف بها بوجود مثل تلك الكرة .
كان المفتش سلاك متحيرا من الطريقة الجدية ذت المغزى التي كانت تنظربها إليه رأى ان القصد من كل حديثها هو التلميح الى شئ لم يفهمه
وأخيرا قالت بشئ من التشديد : الم تعثروا انتم على اي دليل ايها المفتش... في مكان الجريمة؟
- الناس لا يتركون في هذه الايام بصمات اصابعهم يا انسة ماربل؟
- ولكني اظن هذه كانت جريمة قتل من الطراز القديم
قال سلاك بحدة : ماذا تقصدين بهذا؟
قالت الانسة ماربل ببطء : اظن ان بوسع الشرطي بولك ان يساعدك فقد كان اول شخص يأتي إلى... إلى ((مسرح الجريمة)) كما يقال.
--------------------------------------------------
كان السيد سبينلو يجلس على كرسي خشبي وقد بدا شديد الحيرة . قال بصوته الرفيع الدقيق : ربما كان هذا مجرد خيال مني لما حدث بالطبع ان سمعي ليس كما كان ولكنني ظننت انني سمعت ولدا صغيرا يناديني قائلا : ((ياه من هو الفاعل؟)) وقد ترك ذلك لدي انطباعا بأنه يظن انني انا... انا الذي قتلت زوجتي العزيزة.
قالت الانسة ماربل وهي تقطع وردة ذابلة : كان قصده إيصال ذلك الانطباع دون شك.
- ولكن ما الذي وضع هذه الفكرة في راس هذا الطفل ؟
تنحنحت الانسة ماربل وقالت : لا شك انه كان يستمتع الى آراء من هم اكبر منه
- اتظنين... اتظنين حقا ان الناس الآخرين يرون ذلك ايضا؟
- نصف سكان سينت ميري ميد تماما
- ولكن يا سيدتي العزيزة ما الذي يمكن ان يكون سببا في ظهور هذه الفكرة؟ لقد كنت احب زوجتي حبا خالصا. صحيح انها -للأسف- لم تتكيف مع العيش في الريف مثلما كنت اتمنى ولكن الاتفاق التام على كل موضوع امر مستحيل أؤكد لك انني اشعر بفقدانها شعورا شديدا .
- ربما ولكن اسمح لي ان اقول إن ذلك لا يبدو عليك.
انتصب السيد سبينلو في جلسته وقال : يا سيدتي العزيزة قبل عدة سنوات قرأت عن فيلسوف صيني توفيت زوجته التي كان يحبها ولكنه واصل -بهدوء- قرع الجرس في الشارع كعادته... واحسب ان تلك كانت تسلية صينية مألوفة وقد تاثر الناس كثيرا بجلده وقوة احتماله.
- لكن رد فعل الناس في سينت ميري ميد ختلف تماما إن الفلسفة الصينية لا تروق لهم.
- ولكنك تفهمين؟
أومأت الاسة ماربل برأسها وقالت : كان عمي هنري غير عادي في ضبط نفسه وكان شعاره هو (لا تظهر عواطفك ابدا)). وكان هوالآخر يحب الازهار كثيرا.
قال السيد سبينلو بشئ اشبه باللقهة : كنت افكر في عمل تعريشة على الجانب الغربي للبيت عرائش ذات ورود قرنفلية وهناك أزهار بيضاء نجمية الشكل لا يحضرني اسمها الآن...
قالت الآنسة ماربل بنبرة من تتحدث مع حفيد أختها ابن الثلاثة الاعوام : عندي كتاب جميل جدا فيه صور ربما سرك ان تتصفحه... علي ان اذهب الى القرية.
تركت الانسة ماربل السيد سبينلو جالسا في الحديقة مع الكتاب ذي الصور وصعدت الى غرفتها فلفت ثوبا في قطعة من الورق البني بسرعة
وغادرت البيت مسرعة الى مكتب البريد.
كانت خياطة الملابس الانسة بوليت تعيش في شقة فوق مكتب البريد ولكن الانسة ماربل لم تصعد الى الشقة على الفور كانت الساعة ما تزال الثانية والنصف فقط وبعد دقيقة واحدة ستصل حافلة ماتش بنهام امام مكتب البريد وقد كان وصولها يعد واحدا من الاحداث اليومية في قرية سينت ميري ميد اسرعت موظفة البريد خارج المكتب تحمل اكياسا،اكياسا تتعلق بالجانب التجاري من عملها حيث ان مكتب البريد كان يتعامل
ايضا بالحلوى والكتب الرخيصة ولعب الاطفال.
وبقيت الانسة ماربل في مكتب البريد وحدها نحوا من اربع دقائق ولم تصعد الى شقة الانسة بوليت الا بعد عودة موظفة البريد الى موقعها وفي الطابق العلوي اوضحت للانسة بوليت انها تريد تغيير ثوبها الرمادي القديم بحيث تعمل منه طرازا جديدا ان امكن وقد وعدت الانسة بوليت ان ترى ما يمكن عمله.
----------------------------------------------
دهش قائد الشرطة قليلا عندما حملوا له اسم الانسة ماربل . دخلت عليه وهي تعتذر قائلة : انا اسفة جدا ... اسفة جدا جدا على ازعاجك. اعرف انك مشغول جدا ولكنك كنت دوما شديد اللطف يا كولونيل ميلشيت وقد احسست ان من الفضل ان آتي اليك بدل المفتش سلاك لسبب واحد وهو انني اكره ان يقع الشرطي بولك في اية متاعب وبصراحة اظن انه كان يجب الا يلمش شيئا على الاطلاق.
احتار الكولونيل ميلشيت بعض الشئ وقال : بولك؟ اليس هو شرطي القرية؟ ماذا كان يفعل؟
- لقد التقط دبوسا وكان مغروسا في سترته وقد خطر لي -وقتها- ان من المحتمل ان يكون قد التقطه عن الارض في بيت السيدة سبينلو.
- تماما، تماما ولكن ما هو الدبوس في نهاية الامر؟ الواقع انه التقط الدبوس عن الارض قرب جثة السيدة سبينلو وقد جاء واخبر سلاك عنه بالامس... وقد فهمت انك انت التي دفعته للابلاغ عنه اليس كذلك؟ ما كان له ان يلمس شيئا بالطبع ولكن كما قلت ماهي اهمية الدبوس؟ كان مجرد دبوس عادي... من النوع الذي تستخدمه اية امرأة.
- آه لا يا كولونيل ميلشيت انت مخطئ في هذا. ربما بدا مجرد دبوس عادي في اعين الرجال ولكنه لم يكن كذلك كان دبوسا خاصا, دبوسا رفيعا جدا انه من النوع الذي تشتريه في علبة... النوع الذي يستخدمه الخياطون في الغالب.
حدق ميلشيت إليها وقد بدا شئ من الفهم يراوده فأومأت الانسة ماربل براسها عدة مرات بلهفة وقالت : نعم بالطبع يبدو لي الامر واضحا تماما لقد كانت القتيلة تلبس الرداء المنزلي الذي يسهل نزعه لانها كانت بصدد قياس ثوبها الجديد وقد ذهبت الى الغرفة الامامية حيث قالت لها الانسة بوليت شيئا ثم وضعت مترالقياس حول رقبتها... ثم لم يكن عليها الا ان تشده وهو امر سهل جدا كما سمعت! ومن شأنها بعد ذلك ان تخرج وتغلق الباب وتقف في الخارج تدقه وكأنها قد وصلت لتوها ولكن الدبوس يثبت انها كانت موجودة داخل البيت اصلا .
- وهل الانسة بوليت هي التي خابرت سبينلو؟
- نعم من مكتب البريد في الساعة الثانية والنصف قي الوقت التي تصل فيه الحافلة ويكون مكتب البريد خاليا .
- ولكن ياسيدتي العزيزة لماذا؟ لماذا بالله عليك؟ لا يمكنك ان ترتكبي جريمة قتل دون وجود دافع.
- اظن -من كل ماسمعته- ان الجريمه تعود الى زمن بعيد يا حضرة الكولونيل هذا يذكرني باثنين من اولاد اعمامي أنتوني وغوردن كان انتوني ينجح في كل عمل يقوم به ولكن المسكين غوردن كانت تجري على عكس مايريد دائما فكانت خيوله تكبو في السباقات واسعاراسهمه تنخفض وعقاراته تفقد قيمتها .وانا ارى ان الامرأتين مشتركتان في الامر معا.
- اي امر؟
- السرقة... منذوقت طويل سرقة مجوهرات زمرد ثمينة جدا كما سمعت . خادمة السيدة والخادمة غير المتفرغة لان شيئا واحدا لم يتم تفسيره... فعندما تزوجت الخادمة البستاني كيف حصلا على المال لافتتاح محل لبيع الزهور؟ الاجابة هي ان المال كان حصتها من ال... من الغنيمة وبعد ذلك كل شئ كانت تفعله كان ينجح والمال يصنع المال ولكن الاخرى خادمة السيدة كانت غير محظوظة دون شك إذ ساءت معها الامور الى حد اصبحت معه مجرد خياطة ملابس في قرية ! ثم التقتا ثانية واظن ان اللقاء كان طبيعيا تماما في البداية إلى ان ظهر السيد تيد جيرارد على مسرح الاحداث كانت السيدة سبينلو تعاني اصلا من وخز الضمير ولا شك ان هذا الشاب قد حثها على ان (( تواجه نفسها )) وان تتطهر من ذنوبها واظن انها تابهت لفعل ذلك ولكن الانسة بوليت لم ترالامرعلى النحو كل ما رأته هو انها قد تدخل السجن بسبب سرقة ارتكبتها منذ امد بعيد ولذلك فقد قررت ان تضع حدا لكل هذا واخشى انها كانت دائما امرأة شريرة ولا اظنها كانت ستهتم ابدا لو تم اعدام ذلك السيد اللطيف الغبي سبينلو.
قال الكولونيل ميلشيت ببطء: يمكننا التحقق من نظريتك هذه... الى حد ما. وذلك بمطابقة هوية الانسة بوليت هذه مع خادمة السيدة أبركرومبي ولكن...
طمأنته النسة ماربل : سيكون هذا سهل جدا انها من النوع الذي ينهار على الفور إذا ما ووجهت بالحقيقة ثم انني احضرت متر القياس الذي تستخدمه. لقد... لقد اخذته بالامس عندما كنت اقيس ثوبا وعندما تفقده وتظن انه بيد الشرطة... فسوف ترى انه سيثبت القضية بطريقة ما. انها امراة جاهلة تماما !
ابتسمت له مشجعة وقالت : أؤكد لك انك لن تجد اي مشكلة.
كانت هذه نفس النبرة التي طمأنته بها عمته الحبيبة ذات يوم عندما اكدت له انه لن يفشل في امتحان دخول كلية ساندهيرست .
وقد نجح في الامتحان فعلا.
النهاية